في وقت أصبح العالم يقف هاتفاً، لتحية «عصر» ما بعد كورونا التقني بامتياز، وهو الشيء الذي لا يمكن إنكاره، وبخاصة إذا ما شحذ ببرامج تدريبية، وتنظيمية، وتطويرية، اختلفت معايير «الانتصارات»، والإنجازات المحققة على هذه الأرض، وبخاصة للجيل «الأصيل»، الذي لا يزال يتباهى في مشاركاته القديمة في حروب بناء السلام، والمشاركة في بناء المدن، وغيرها من الإنجازات بعيدة الوصول نوعاً ما لدائرة الاهتمامات لأبناء الأجيال الجديدة، الأمر الذي يعد عامل قلق يحيط بموقع الجيل الأول من «النظام العالمي الجديد». 
إذ لا يمكن تجاهل الفجوة الكبيرة بين أبناء الجيل الأول، ومن يليهم من حيث الإلمام بالمهارات التقنية - مثلاً -، والتطوير الدائم والسريع عليها، وذلك بناءً على الخلفية الموجودة بالأساس التعليمي، والتربوي، وحتى الترفيهي، على عكس تلك العلاقة البشرية التقنية التي بدأت تحبو بخطواتها البطيئة في بناء علاقتها مع أبناء الجيل الأول، محصورةً بالاستجابة لضرورة مهنية، لا تتعدى الإلمام بخيارات البرامج المتعلقة بكتابة وتحرير النصوص. 
لقد غيرت أزمة الفيروس التاجي الكثير من الرؤى، والخطط، والأنظمة، وتسللت حتى دخلت قاموس المفاهيم، وبالنسبة لأبناء الجيل الأول، أو «كبار السن»، فهو الاسم الذي يطلق على الأشخاص ممن بلغوا سن 60 عامًا أو أكثر، أو الذين يعانون من أحد الأمراض المزمنة الحادة، ويكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض شديد بسبب كوفيد - 19، وهذا بحسب تعريف مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. 
إن العالم الذي يعتبر خليطاً متجانساً من الأعراق، والأطياف، يضم في نسقه الإنساني «خوارزمية» أخرى مبنية على الفئات العمرية التي تصنف غالباً بمراحل الطفولة، ثم الشباب، ثم كبار السن، والتي لا يمكن استمرارها دون الموائمة فيما بينهم، فلا يمكن استثناء فئة بحجة التطوير والتقدم، ذلك أن الإنسان مكتسب لقدراته وطموحاته في طفولته، وساعياً ومعمراً في شبابه، وصاحب خبرة، وتخطيط في كهولته، الأمر الذي يشير لضرورة الانتقال لاحتياجات ومتطلبات النظام العالمي الجديد، ولكن مع مراعاة الجوانب «الإنسانية» المهمة الأخرى، إذ لا يمكن للجيل الجديد، نهوضه بمسؤوليات جيلين، ولا يقبل إهمال احتياجات وخصوصيات الجيل الأول الذي يعتبر لبنة أساس صلبة لبناء اليوم والغد. 
وفي التفاتة نحو الواقع، لم تحظَ العناوين والأخبار المتعلقة بـ «كبار السن»، بثقل وطأتها كما فعلت خلال جائحة كوفيد-19، التي تتنوع ولكن لا تخرج من دائرة «السلبيات»، والخسائر التي يتكبدها أولئك. وفي محاولة تقدير حجم الإشكالية المتعلقة فقط بأبناء الجيل الأول، فتبعاً لإحدى تقارير منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 700 مليون شخص في العالم هم فوق سن الستين، كما توقعت الأمم المتحدة ارتفاع عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة أو أكثر بنسبة 46%، أي بعدد يفوق عدد الشباب، وكذلك الأطفال تحت سن 10 سنوات على الصعيد العالمي، بين عام 2019 و2050! 
ومن ناحية أخرى، فقد تسببت جائحة كوفيد-19 بزيادة المخاطر على نحو 32 مليون من أبناء الجيل الأول، وقد تنوعت تلك المخاطر بين مهددات الأمن الصحي، والاقتصادي، والغذائي، وحتى المعرفي، إذ وقفت الصعوبات التقنية والتكنولوجية في وجه أبناء الجيل الأول عائقاً دون الاطلاع على التدابير الوقاية من الجائحة، والمرونة في الاتصال بالآخرين لطلب المساعدة، أو التخفيف من الشعور بالعزلة. ناهيك عن عائق محدودية التغطية الصحية الشاملة، وعدم الكفاية اللازمة لخدمات الحماية الاجتماعية لكبار السن. وذلك بحسب دراسة أجرتها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا «الإسكوا»، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، حول أثر الجائحة على كبار السن. 
وفي ظل إسهامات الجيل الأول، وما يجده من تحديات في ظل الجائحة ليجد نفسه وحيداً، ضعيف الجسد الذي تجاوز الستين، مفنياً عمره في محاولات بناء وتطوير الواقع الذي يحيط به، ليكتشف إيلاء الأهمية لسياسات لا تعبر عن همومه، حتى أضحى فريسة سهلة لوباء كورونا الفتاك، وعليه، فإن هذه الفئة التي شكلت مصدراً للعطاء، وبناء المجتمعات، ومهدت لها الطريق للوصول لما هي عليه من إنجازات وتطورات، لها الحق بزيادة تغطية نظم حمايتها الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية، لضمان حصول كافة أفرادها على الخدمات الصحية المجانية، أو المدعومة، والحصول على الدعم النفسي، والتوعوي اللازم للحد من عزلتهم، أو تعريضهم لـ«القلق»، الناتج عن تدفق الشائعات، والمعلومات الخاطئة. فكما قالت «روزا كورنفيلد-مات»، خبيرة الأمم المتحدة في التمتع بحق الإنسان للمسنّين: نحن بحاجة إلى الوقوف الآن من أجل حقوق كبار السن، ذلك أن «رهاب الشيخوخة المنتشر»، يشكل عاملاً أساسياً في التحيز ضد كبار السن، والتمييز، وفي نهاية المطاف إنكار حقوقهم. وفي الإشارة لحجم المتضررين من فئة كبار السن خلال هذه الجائحة، فقد صرح الأمين العام للأمم المتحدة أن معدل وفيات الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاماً، بسبب كوفيد-19 يبلغ خمسة أضعاف المتوسط العالمي، كما أشارت إحدى الدراسات الحديثة، التي أجرتها كلية لندن للاقتصاد وكلية لندن الجامعية، أن هذه الجائحة تسببت في حدوث مخاطر عديدة لفئة كبار السن، ما يُحتم إعادة التفكير في علاقة كبار السن بمثل هذه الأوبئة الطارئة والوقوف على تأثير جائحة كورونا عليهم بشكل خاص، فإلى أي مدى سيستطيع العالم إبراز بعده الإنساني، في التعامل مع مصير أبناء الجيل الأول، وتحديد موقعهم ضمن «النظام العالمي الجديد»، وموازاته بدورهم الريادي المقدم في بناء الحضارة الجديدة؟