برزت على الساحة العربية في الآونة الأخيرة ظاهرة جديرة بالدراسة والمناقشة، وهي «المسؤولون المغردون» في كل القضايا على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، الذين لا يتركون مناسبة إلا ويغردون حولها، ولا يميزون في تغريداتهم بين تلك التي تخص مجال عملهم وبين تلك التي تعبر عن آرائهم الشخصية حول قضايا عامة أو أحداث وتطورات إقليمية ودولية، الأمر الذي قد يؤدي في أحيان عديدة إلى حالة من الارتباك والجدل، خاصة إذا ما تم تفسير هذه التغريدات كما لو أنها تعبر عن موقف رسمي وليس عن رأي شخصي. 
الخطير في الأمر أحياناً أن تغريدات بعض هؤلاء المسؤولين تنتشر بسرعة البرق وتتصدر العناوين الرئيسة لمواقع وصحف وقنوات إخبارية، باعتبارها تصريحات رسمية تعبر عن وجهة نظر الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المسؤولون، وليس رأيهم الشخصي، وهنا تكمن الإشكالية التي ينبغي الانتباه إليها، وهي أن تغريدات هؤلاء المسؤولين يمكن اعتمادها كمادة خبرية إذا كانت تتعلق بمجال عملهم، أيا كانت طبيعته، أما إذا كانت هذه التغريدات تتعلق بالشأن العام أو قضايا إقليمية ودولية، فإنها هنا تعبر عن وجهة نظرهم الشخصية، ولهذا أصبح من الضروري التفرقة بين تغريدات المسؤولين - كموظفين رسميين أو سياسيين- التي تركز على مهام عملهم وبين آرائهم الشخصية التي تعبر عن مواقفهم وتوجهاتهم الذاتية، وذلك لتفادي أي خلط في هذا الشأن، لأن عواقب ذلك قد تكون خطيرة في أحيان كثيرة وتسيء إلى العلاقات بين الدول والشعوب.
لا أحد يستطيع أن ينكر على أي مسؤول، مهما كان حجم ونوع مسؤولياته، التعبير عن آرائه بحرية كاملة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة إذا كانت ترتبط بمجال عمله، فهذا أمر إيجابي، لكن عليه الحذر والتريث إذا كانت «تغريداته» تخص دولاً أخرى، حتى لو كان الهدف منها هو إظهار الدعم والتأييد لهذه الدول، لأنها في بعض الأحيان قد يساء فهمها، وربما تفسيرها على أنها تدّخل في شؤونها الداخلية، بل والأخطر حينما يتم اعتبار هذه التغريدات بأنها تعبر عن الموقف الرسمي للدولة وليس عن موقف شخصي، ما يضطر هذا المسؤول إلى التمادي في الأخطاء لتبرير موقفه والدفاع عنه، ثم يضطر في النهاية إلى حذف هذه التغريدات والتنصل منها بعد أن تكون قد أحدثت حالة من الجدل حولها وتسببت في أزمات وسوء فهم حول المقصود منها. 
لقد شهدت بعض وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة معارك جانبية بسبب تغريدات «غير مسؤولة» منسوبة لبعض المسؤولين أُسيء فهمها لأنها تخص دولاً أخرى، وأحدثت حالة من الجدل المتصاعد حول مغزاها وجدواها، بل وأدت إلى ردود فعل سلبية بين هؤلاء المسؤولين والكتاب والإعلاميين وامتدت إلى المغردين العاديين في هذه الدول، وتطورت للأسف إلى تبادل الاتهامات باستخدام مفردات لغوية غير مقبولة. 
في ظل حالة الفوضى التي تشهدها وسائل التواصل الاجتماعي، وغياب المعايير المنظمة لها في العديد من الدول العربية، يتعين على المسؤولين أخذ الحيطة والحذر قبل التغريد حول أي قضايا عامة أو مواقف سياسية، لأن هذا قد يتم توظيفه بشكل سلبي من جانب بعض الجهات المغرضة التي تسعى إلى تأويل هذه التغريدات بشكل خاطئ يخدم أهدافها الخبيثة، وليس أدل على ذلك من أن بعض هذه التغريدات تتحول في سرعة البرق إلى مادة إعلامية دسمة، سواء أكانت تقارير تليفزيونية أم تقارير إخبارية أم «هاشتاقات» على مواقع التواصل الاجتماعي يتم ترديدها ونشرها على أوسع نطاق ممكن.
إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي تمثل بالفعل نافذة مهمة للمسؤولين للتعبير عن آرائهم، فمن الضروري أن يكون هؤلاء على قدر كبير من الوعي والالتزام وألا ينجرفوا إلى المعارك الجانبية غير المحسوبة، وأن يمارسوا الرقابة الذاتية على تغريداتهم وآرائهم قبل نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، حتى لا يتحول هؤلاء- من دون قصد- إلى أدوات لإثارة البلبلة والفوضى والاحتقان بين الشعوب.
* إعلامي وكاتب إماراتي