تشعبت ارتباطات التحديثات المستمرة لنتائج الوباء العالمي، الذي اصطدم بالإنسان وكافة متعلقاته، حتى بات مؤشراً يتلاعب في مؤشر قدرته على الاستمرار برحلة المعرفة والتعلم، التي تعتبر إحدى أميز مراحله الحياتية، والتي يترتب عليها لاحقاً توجيه قدراته وإمكاناته، وبثها في مجتمعه، وبات الطالب في «عصر الفيروس التاجي» مهدداً بفقد تاج علمه ومعرفته ومهاراته. 
وفي محاولة لإدراك حجم ذلك التهديد، شهدت ذات الليلة التي تم الإعلان فيها عن تفشي جائحة كوفيد19، تعطل آمال ما يزيد على 850 مليون طفل وشاب، عن إكمال رحلتهم التعليمية في مدارسهم، وجامعاتهم، وهي نسبة تعكس ما يقارب نصف عدد الطلبة على مستوى العالم، إثر الاضطرار لتعليمات الإغلاق الكامل في بداية الأزمة. 
لقد صاحبت موجة الأزمات هذه، دافعاً قوياً للتفكير في التعليم من منظور جديد، وتوسيع نطاق عمليّة التعلّم عن بعد، وتعزيز قدرة النظم التعليمية على التأقلم مع جميع الظروف وجعلها أكثر انفتاحاً وابتكاراً»، كما صرحت «أودري أزولاي»، المديرة العامة لليونسكو، ولكن في الوقت ذاته علينا التفكير بحجم العقبات والتحديات التي تتدافع وتستقر في قلب النظام التعليمي والأكاديمي من جهة، والتساؤل عن الوقت الحقيقي المعوز للتغلب عليها، والخروج بنظام تعليمي أمثل. 
وفي تقدير تأثيرات نظام التعليم عن بعد، فليس بخفي ما سببته من قصور في عملية التعلم من كلا الجانبين «الملقي والمتلقي»، والتي امتدت للمجتمع المحيط بهما في معظم النواحي، فعلى صعيد الأسرة، انعكس ذلك بالدرجة الأولى على الأم التي تضاعفت أعبائها خلال هذا النظام التعليمي، إذ يترتب عليها متابعة الكثير من الدروس، وبخاصة في حال تواجد أبناء من المرحلة الأساسية، ناهيك عن إلزامية مجالستها للأبناء خلال الحصص المدرسية المعوزة لاستخدام التقنيات، والتأكد من استمرارية بثها، والمشاركة الصفية في الوقت الحقيقي، وهذا يكون في حال كان الطالب على أتم الاستعداد للتلقي من معلميه. وهنا تطفو على السطح عقبة أكثر تعقيداً ترجع لماهية الظروف الاجتماعية، والأحوال الاقتصادية المحيطة بالطفل، بالإضافة للسيكولوجية البنائية، والاستعداد الجسدي والنفسي لكل منهم. 
وفي الحديث عن المتلقي نفسه «الطالب»، فقد صب هذا النظام «يتيم» التفاعل الكثير من الصعوبات عليه، سواء أكان ذلك من الجانب النفسي، أو السلوكي وبخاصة فيما يعني بالتواصل والتفاعل مع المجتمع المحيط، وامتلاك الأدوات الملائمة لذلك. إذ يعاني أبناؤنا الطلبة اليوم من حرمان التعرف على مجتمع المدرسة والجامعة، الأمر الذي يلعب دوراً كبيراً في تكوين شخصيته واستقرارها، وبخاصة الفئة الأساسية، وتلك التي تعتمد على «المختبرات العملية» في دراستها. كما يتعرض الطلبة خلال هذه الأزمة لترك فراغ كبير، كانت الجهات التعليمية تملئه أثناء التعليم الحضوري، مما يشكل تهديداً لأمنهم الفكري والثقافي، وبخاصة في ظل عدم تلقي مناهج مختصة بالأمن الإلكتروني، وكيفية التعامل مع منصاته التي فتحت مجالاً شاسعاً لاستغلال الأطفال والشباب وتوجيه ميولهم، نظراً للأوقات التي يقضيها الطالب أمام النافذة الإلكترونية، وهو ذات الأمر الذي يدفع بوضع التساؤلات حول الحالة الصحية، للعيون والعمود الفقري واللياقة، لطالب يجلس ما لا يقل عن 8 ساعات في كل يوم! 

التعليم اليوم يُرغم أبناءنا، كي يتم التكيف مع الظروف الصحية، على الجلوس في غرفة معزولة، مختلفة تماماً عن تلك التي يجب تواجدهم بها، والتي تم تشييدها بالتفاعل والتواصل البانية للمدارك والحواس، إذ ارتكزت نسبة لا بأس بها «قبل كورونا» على العلاقة القوية المبنية بين الطالب والمعلم، والتي باتت مشوشة اليوم بفعل معلم يتحمل ضغط هائل على كاهله، يبدأ من «عدم امتلاك المهارات التقنية»، وينتهي عند التواصل مع طالب لا يستطيع التعرف إلا على اسمه، أو صورته المباشرة المهددة بالتشويش في أي لحظة!
ما شهدته المؤسسات التعليمية من إغلاق كامل في بعض المدارس، وفي ظل تضاعف أعداد المتعلمين المحرومين من ارتياد المؤسسات التعليمية، وفي مقابل ما يشهده مستقبل التعليم والتعلم، من خطر يهدد نموه وكفاءته، فإن هذه الإجراءات تتم في إطار عملية محاربة ومواجهة الوباء، وكبح بطشه، ولكن توجد بعض الآثار السلبية على التعليم ما يدفع في اتجاه التعديل على أسس ومعطيات نظام التعليم عن بعد، وإدخال الأدوات «الكفؤ» المساعدة، لتضمن استمرار التغذية العلمية والأكاديمية، وفي الوقت ذاته عدم انقطاع التفاعل الإنساني بين كافة أطراف العملية التعليمية بمكوناتها من معلم، ومتعلم، ومنهج دراسي وغيرها.