سافرتُ ذات مرة في رحلة ذهاب وإياب من سان فرانسيسكو إلى لندن من أجل المشاركة في نقاش لمدة ساعة حول كتاب. وفي مرة أخرى، سافرتُ من سان فرانسيسكو إلى هونج كونج، ثم من هونج كونج إلى سنغافورة، ثم رحلة العودة، من أجل غداءيّ عمل، كان كلاهما غداء أكثر منه عملاً. ومرة سافرت إلى أتلانتا من أجل إجراء مقابلة مع مسؤول اعتذر عن عدم الحضور في آخر لحظة. ثم هناك تلك الرحلة إلى ميامي: ثلاثة أيام، و8 آلاف كيلومتر، وفندق، وسيارة مؤجرة، ولكن خلال رحلة العودة غمرني شعور ويقين بأن الشخص الذي تكبدتُ كل مشاق السفر من أجل كتابة بروفايل له كان مملاً جداً لدرجة لا تؤهّله لأن يكون موضوع مقال من هذا النوع. 
أعترفُ بهذا التاريخ من أسفار العمل المجانية، وأنا أدرك أن كثيراً من الناس سيتناقلون عمودي، وأنني سأكون موضوعاً للتندر على نطاق واسع: شاهد كاتب العمود في «نيويورك تايمز» وهو يشتكي من كل الأسفار الرائعة التي اضطر للقيام بها. ولكنني سأقبل الجَلْد، لأنني أفهم الآن كيف أذنبتُ. لقد مضى عام الآن على وباء فرض على العالم حظراً على معظم السفر. غير أنه في العديد من القطاعات التي كانت تعتمد في السابق على لقاءات شخصية مباشرة، ما زالت صفقات البيع تُعقد وشبكات العلاقات تُبنى. 
كان يقال إن التفاعل وجهاً لوجه يبرر الـ1.4 تريليون دولار التي أُنفقت عالمياً على أسفار العمل في 2019. في 2020، تقلصت أسفار العمل بالنصف، وباتت وجوهنا مسمّرة أمام الشاشات، ومع ذلك، فإن الكثير من الشركات المعتادة على إنفاق مبالغ كبيرة على السفر هي بخير اليوم. وهذا مبعث ندمي على رحلاتي الطويلة السابقة. فبعد عام من اجتماعات «الفيديو كونفرنس» ومعاناة القليل بسبب ذلك، أجدني أنظر بحرج إلى إسراف أسفاري الجوية قبل الوباء. وأفكر في ما ضاع من وقتي وإنتاجيتي بسبب السفر، وفي مال مشغِّلي، وفي التلوث الذي ينبعث من الطائرة وهي تطير إلى ذاك الحدث المهم جداً في «كي ويست».
حسناً، لنتأمل كل تلك الأسفار إلى مكسيكو سيتي، وأوستن، وحيدر آباد، وواشنطن. كم من هذه الرحلات كان سيكون غير ضروري لو أنني اكتفيتُ باستخدام «زوم»؟ تقديراتي الشخصية تتراوح بين معظم تلك الرحلات وكلها. ولا شك أن الطيران معجزة معاصرة، ولكنه باهظ أيضاً، ومزعج، ومكلف بيئياً. والآن وقد تبين أن إجراء الاجتماعات عبر تقنية «الفيديو كونفرنس» طريقةٌ مقبولةٌ لإنجاز الأعمال، فليس هناك سبب للتخلي عنه عندما يرحل الفيروس. ويمكننا أن نكون جميعاً أكثر حكمة وتعقلاً بكثير في السفر إلى العمل، حتى وإنْ لم يكن «زوم» حلاً مثالياً وخالياً من العيوب. 
أقول: «يمكننا» لأن المطارات والفنادق في رحلاتي التي لم تكن ضرورية لم تكن خاوية. فقد قام الأميركيون بأكثر من 400 مليون رحلة من أجل العمل في 2019. والكثير من المسافرين مثلي كانوا يتساءلون على الأرجح، مثلي، ما إن كانت فوائد كل رحلة تبرر كل تلك النفقات والإزعاج. 
وقد تحدثتُ مع عدد من «مقاتلي الطريق» السابقين – موظفي المبيعات، بشكل رئيسي – الذين أخبروني بأنهم كانوا في كثير من الأحيان غير قادرين على الحسم بشأن تنقلاتهم الكثيرة. فمن جهة، كان السفر عبر الطائرة فظيعاً. فرحلة جوية عبر البلاد ذهاباً وإياباً تستغرق قرابة يومين للوصول إلى الوجهة فقط. ثم هناك الطعام غير الصحي، وقلة النوم، إلخ. ولكن ما هو الاختيار الذي كان متاحاً؟ لسنوات طويلة، كان من المسلّمات أن الاجتماعات التي تتم وجهاً لوجه أفضل بكثير من الاجتماع عبر تقنية «الفيديو كونفرنس»، لأسباب بديهية. ذلك أنها تساهم في نسج علاقات أعمق، وربما عمليات صنع قرارات جماعية أفضل. 
ويقول دارن ماربل، وهو رائد أعمال مستقر في لوس أنجلوس وكان يسافر إلى نيويورك مرة كل أسبوعين: «لقد نشأتُ في ثقافة مبيعات تقول: إذا كنت تريد إبرام صفقة، فعليك أن تذهب لمقابلة الزبون». وعندما أتى الوباء، لم يعرف «ماربل» كيف سيزاول عمله إذ يقول: «كان العمل في البيت يتنافى مع كل ما تعلّمته خلال حياتي المهنية». ولكن في عصر «زوم»، مضى كل شيء على ما يرام، بل إن 2020 كانت «سنة ناجحة»، كما قال لي «ماربل»، ذلك أن شركته «كراش كابيتل» جمعت مؤخراً أكثر من 3 ملايين دولار من أكثر من 30 مستثمراً، وكل ذلك عبر «زوم». 
صحيح أن اجتماعات «الفيديو كونفرنس» ليست بقوة الاجتماعات المباشرة التي تتم وجهاً لوجه، ولكنها ليست بذاك السوء. ثم إن العصر الافتراضي لديه مزاياه الخاصة. ذلك أنه أسرع، وأرخص، كما أنك لا تظل محتجزاً في مقعد في الوسط لخمس ساعات.
ثم هناك تغير المناخ، وهو كلفة طيران لا مفر منها. فالطيران يمثّل حوالي 2.5% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في العالم، ولكن ولأسباب معقدة تساهم انبعاثاتُ الطائرات في رفع درجة حرارة الكوكب بأكثر مما قد يوحي به ناتج الكربون الذي تخلّفه. ثم هناك مشكلة أخرى وتتعلق بكلفة الطيران في كل استخدام، ذلك أن رحلة جوية طويلة واحدة ذهاباً وإياباً فقط يمكن أن تنتج كمية أكبر من الكربون، عن كل مسافر، مقارنة مع ما ينتجه الشخص العادي في العديد من البلدان في عام واحد. فرحلة واحدة عبر الأطلسي ذهاباً وإياباً تكفي تقريباً لمحو المكاسب التي قد يحققها المرء من العيش من دون سيارة لسنة، وفق بعض التقديرات. 
وخلاصة القول إننا وجدنا بديلاً معقولا ومثالياً لعقد الاجتماعات. وما عليك إلا أن تسجل دخولك إلى حسابك وتسافر أقل!
كاتب وصحافي أميركي 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» https://www.nytimes.com/2021/03/10/opinion/business-travel-videoconferencing.html