لم تعرف أفغانستان أي انخفاض في أعمال العنف، ومع ذلك تشدد حركة «طالبان» على ضرورة التزام الولايات المتحدة بالاتفاق الذي وقعته العام الماضي بشأن سحب كامل للجنود، في حين تشدد الولايات المتحدة على خفض أعمال العنف في البلاد وتريد ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر أخرى من أجل الانسحاب. 
وكانت الولايات المتحدة قد تعهدت في الاتفاق الذي وقّعته إدارة ترامب مع «طالبان» في فبراير 2020 بسحب كل القوات الدولية بحلول مايو 2021، مقابل بعض الشروط التي تشمل قطع «طالبان» كل علاقاتها مع «القاعدة»، وبدء محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية. غير أن السحب التام للجنود يظل هو السؤال، إذ يتهم البنتاجون «طالبان» بعدم احترام التزامها بخفض أعمال العنف كما جرى التفاهم على ذلك في الاتفاق، بينما تتهم «طالبان» الولايات المتحدة بخرق الاتفاق، وتشدد على مواصلة «القتال» إذا لم تغادر القوات الأجنبية أفغانستان بحلول مايو من هذا العام. 
ولا شك في أن الاتفاق بين الولايات المتحدة و«طالبان» والمفاوضات بين الأطراف الأفغانية، يشكّلان فرصة استثنائية لتحقيق السلام في أفغانستان التي مزقتها الحرب. غير أنه مع إيلاء «طالبان» الأولوية لانسحاب الجنود الأجانب على المحادثات الأفغانية الأفغانية، يبدو أن الفرصة أخذت تتلاشى. وحالياً، هناك قرابة 8 آلاف جندي تابع لحلف «الناتو» ونحو 2500 جندي أميركي في أفغانستان. وإذا كانت «طالبان» قد عبّرت عن معارضتها القوية لوجود جنود أجانب في أفغانستان بعد التاريخ المتفق عليه، فإن الحكومة الأفغانية تتوقع استمرار دعم التحالف الغربي في مهمة التدريب والنصح والمساعدة.
وعلى الرغم من المفاوضات الحالية، فإن النزاع العنيف مستمر في أفغانستان بلا هوادة. إذ ارتفعت أعمال العنف عبر البلاد، وتسبب القتال البري في أكبر عدد من الإصابات، متبوعاً بالهجمات الانتحارية والهجمات باستخدام القنابل التي تزرع على الطريق من قبل «طالبان» والغارات الجوية من قبل القوات الحكومية الأفغانية. ووفق بعض التقارير، فإن عشرات المدنيين الأفغان قُتلوا أو جُرحوا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، في وقت استعر فيه القتال العنيف بين القوات الحكومية ومقاتلي «طالبان»، رغم الجهود الرامية لإحلال السلام. وفضلاً عن ذلك، فإن معظم الحوادث التي وقعت في تبادل إطلاق النار كانت إما بسبب تنظيم «داعش»، أو بسبب عناصر «غير معروفة» معارضة للحكومة أو موالية لها. ومع أن وجود قوات تابعة للولايات المتحدة ولحلف «الناتو» لم يكبح ارتفاع أعمال العنف في البلاد، فإن وجودها المستمر ساعد بكل تأكيد على كبح التنظيمات المسلحة المتشددة ومنعها من استغلال الفراغ الأمني الذي كان يمكن أن ينشأ عن ذلك. 
وعلى الرغم من اقتراب تاريخ انسحاب الجنود الأجانب، فإن عملية السلام ما زالت بعيدة عن التحقق. ذلك أن لاعبين مختلفين يدفعون في اتجاهات مختلفة، ما يزيد من تعقيد اتفاق سلام نهائي ويضع كثيراً من الشك على مستقبل البلد الذي مزّقته الحرب. فالولايات المتحدة ماضية في الدفع في اتجاه عقد مؤتمر في تركيا بدعم من الأمم المتحدة لإتمام اتفاق سلام بين الحكومة الأفغانية و«طالبان» التي تهدد بالانسحاب من المفاوضات والعودة إلى استهداف الجنود الأجانب. كما تدفع الولايات المتحدة في اتجاه اتفاق تقاسم السلطة بين الحكومة الأفغانية و«طالبان» وتشكيل إدارة مؤقتة تشمل ممثلين عن الحركة. ويشمل هذا المخطط مؤتمراً متعدد الأطراف لمبعوثين من الهند والصين وإيران وباكستان وروسيا والولايات المتحدة تحت قيادة الأمم المتحدة.
الحكومة الأفغانية قدمت مخططات خاصة بها من أجل مقترح سلام يشمل مراحل ومتطلبات مختلفة. وفي الأثناء، هددت «طالبان» باستئناف الأعمال القتالية ضد الجنود الأجانب في أفغانستان حال عدم احترام تاريخ الأول من مايو المقبل. وكل هذا أدى إلى كثير من عدم اليقين حول الوجهة التي تتجه إليها أفغانستان، وما إن كان اتفاق لتقاسم السلطة سينجح بالنسبة لبلد ظل في حرب مع «طالبان». ولهذا، فإن الشكوك ما زالت موجودة بشأن ما إن كانت الحكومة الأفغانية ستوافق على اتفاق سلام وكيف سينجح اتفاق لتقاسم السلطة مع «طالبان». 
وفي الأثناء، هناك تطور مهم ومحوري يتعلق بظهور دور الحلفاء الإقليميين. وينطبق هذا على الهند التي لديها مصالح في أفغانستان ولعبت دوراً كبيراً في عملية إعادة إعمار البلاد. وكانت الهند قد رفضت في السابق أن تكون لها أي علاقة بـ«طالبان» والتزمت بسياسة مفادها أنه لا وجود لـ«طالبان» طيبة. غير أن هذا الموقف تغير الآن على ما يبدو، إذ أصبح واضحاً على نحو متزايد أنه لئن لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام بعد، فإن «طالبان» ستكون لاعباً مؤثراً في أفغانستان مستقبلا وستعود إلى الواجهة بشكل أو بآخر. 
ولذلك قامت الهند بتغيير سياستها السابقة، حيث باتت تقر الآن بأن «طالبان» ستكون موجودة في أي اتفاق من اتفاقات تقاسم السلطة، وبأنها ستضطر للتعامل معها. وفي «مؤتمر قلب آسيا» التاسع في طاجيكستان، قال وزير الخارجية الهندي، الذي أشار إلى «طالبان» بشكل مباشر لأول مرة، إن الهند تدعم كل الجهود المبذولة من أجل «تسريع الحوار» بين الحكومة الأفغانية و«طالبان»، وهو ما يمثّل بكل وضوح تحولاً عن سياساتها السابقة المتمثلة في معارضة أي مصالحة أفغانية مع «طالبان». ولا شك أنه بهذا التصريح، فإن حتى «طالبان» سترى فائدة في التعامل مع البلد الجار، ليس من أجل استقرار أفغانستان فحسب، وإنما استقرار المنطقة برمتها.