المياه هي أساس كل شيء حي، ولا يبالغ البعض عندما يضع أهميتها على نفس درجة أهمية النفط أو أعلى. ولذلك فإن نقص المياه سيؤدي بلا ريب إلى شلل في الصناعة ونشوء كوارث اجتماعية وسكانية. ولذلك ليس من المستغرب أن نشهد الصراعات بين العديد من دول العالم حول حقوق استغلال موارد المياه، وتكمن أبرز أسباب تلك النزاعات في قلة هطول الأمطار، وعدم كفاية إمدادات المياه، والاعتماد على مصدر رئيسي واحد للمياه، وأزمة المناخ والزيادة المطردة في تعداد السكان على مستوى العالم. وقد نتج عن ذلك تاريخ طويل من النزاعات المسلحة بين البلدان بسبب الصراع على حصص المياه. ويعود أقدم نزاع موثق بين الأمم حول «مصادر المياه العذبة» إلى أكثر من 4000 عام، عندما نشأ الصراع على مياه الري من نهري دجلة والفرات. 

والمفارقة أن تلك النزاعات ما زالت تتكرر بين الحين والآخر وفي مناطق معينة من العالم. فالمياه الموجودة على الكرة الأرضية حالياً تنقسم إلى ما يقارب 97.5 % مياهاً مالحة أو ملوثة، و70% من النسبة المتبقية البالغة 2.5%، هي مياه مجمدة في الأنهار الجليدية، في حين يتوفر أقل من 0.01 % من المياه العذبة التي يستطيع الإنسان الوصول إليها، سواء في البحيرات أو الأنهار أو طبقات الأرض الجوفية.
وتتقاسم دولتان أو أكثر نحو ثلاثة أخماس المياه المتدفقة من الأنهار وذلك بواقع 263 حوضاً نهرياً في 145 دولة، ولذلك تعتمد العديد من دول العالم بشدة على الموارد المائية النابعة أصلاً من خارج أراضيها. ومثال ذلك اعتماد الهند وباكستان على 34% و76% على التوالي على موارد المياه القادمة من خارج أراضي الدولتين. أضف إلى ذلك مشاركة 11 دولة في قارة أفريقيا لمورد مائي واحد وهو نهر النيل، وهو أساس النزاع المائي حالياً بين أثيوبيا، دولة المنبع، ومصر والسودان وهما دولتا المصب.
وعلى مستوى العالم، يوجد حالياً ما يقارب مليار شخص لا يستطيعون الحصول على مياه صالحة للشرب، وهذه الأزمة ستتفاقم حدتها بحلول العام 2050 عندما يبلغ تعداد البشرية حوالي 9.0 مليارات شخص. وذلك في الوقت الذي تشير فيه التقارير الدولية إلى حرمان 11% تقريباً من سكان العالم من الوصول إلى مصادر مياه صحية وصالحة للشرب، الأمر الذي يؤجج باستمرار النزاعات حول المياه. 

وحالياً تتركز تلك النزاعات بشكل رئيسي في منطقة الشرق الأوسط (النزاعات الناشئة عن نهري دجلة والفرات بين تركيا وسوريا والعراق؛ ونزاع نهر الأردن بين إسرائيل ولبنان والأردن والسلطة الفلسطينية)، كما يوجد النزاع الحالي في قارة أفريقيا (حول نهر النيل بين مصر وإثيوبيا والسودان)، وكذلك في آسيا الوسطى (صراع بحر الآرال بين كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وقيرغيزستان).
كما توجد بعض النزاعات المائية الأخرى بين أفغانستان وإيران حول حقوق استفادة الأخيرة من حصص مياه الأنهار المتدفقة من أراضي الأولى. 

وبالتالي فإن احتمالات الحروب في المستقبل بسبب النزاعات بين الدول على حصص الاستفادة من المياه قائمة، الأمر الذي يدعونا إلى بذل المزيد من الجهد والتعاون والحوار على المستوى الدولي لنزع فتيل تلك الأزمات وتجنب تحولها إلى حروب شاملة.