مواجهة التطرف الرقمي مسؤولية دولية مشتركة
 

تمثل ظاهرة التطرف الرقمي واحدة من القضايا التي ترتبط بالأمن والسلم الدوليين، ظاهرة بتأثيرات عالمية، خاصة أنها تدور في العالم الافتراضي، ومن خلال منصات رقمية وتطبيقات إلكترونية يُساء توظيفها من جانب تنظيمات متطرفة – إسلاموية ويمينية – في نشر محتوى يغذي التطرف العنيف ويحرض على الكراهية، ويسعى إلى إذكاء الصدام بين الثقافات والحضارات والأديان.
ولعل ما يفاقم من خطر هذه الظاهرة هو تزايد أعداد مستخدمي المنصات الرقمية، وتحديداً وسائل التواصل الاجتماعي في العالم بصورة لافتة، والذي يصل وفقاً لآخر التقديرات إلى 4.2 مليار مستخدم في العالم، بما يمثل نصف سكان العالم، فيما يصل في المنطقة العربية إلى 136.1 مليون شخص؛ أي نحو 53% من عدد سكان الدول العربية، هذا فضلاً عما تتسم به هذه المنصات من خصائص تجعل منها الأداة المثلى لنشر الأفكار المتطرفة والأيديولوجيات الهدامة، فهي من ناحية تشكل «إعلام العولمة» الذي يتجاوز السيادة الوطنية للدول، ولا يعترف بهويتها وخصوصيتها الثقافية والحضارية. كما أنها تتسم بالمجانية التي تتيح لمستخدميها نشر أي محتوى رقمي متطرف دون أية تبعات مالية، وتحظى بالتفاعل المكثف وتتيح إمكانيات واسعة للاستقطاب والتعبئة، كما حدث إبان ما يسمى بـ «الربيع العربي».
لقد قدمت الندوة الافتراضية التي نظمها «تريندز للبحوث والاستشارات» بالتعاون مع صحيفة «الاتحاد» في أولى فعاليات «مجلسها الرمضانية»، والتي حملت عنوان «مخاطر التوظيف الأيديولوجي للمنصات الرقمية والتطبيقات الإلكترونية»، تشخيصاً دقيقاً لظاهرة التطرف الرقمي، ودقت ناقوس الخطر من مغبة تقاعس المجتمع الدولي في مواجهتها على أمن واستقرار دول العالم قاطبة. كما قدمت استراتيجية شاملة للتصدي الحاسم لها، تأخذ في الاعتبار أبعادها المختلفة، الفكرية والثقافية والإعلامية والتعليمية والتكنولوجية، وتؤكد أهمية العمل الدولي في مواجهتها، من جانب مختلف الأطراف، بداية من شركات التكنولوجيا المتقدمة التي يتعين عليها مراجعة مسودة الضوابط والسلوكيات الناظمة لوسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية، حتى لا تتحول إلى منصات للتطرف والإرهاب، ومروراً بالمنظمات الأممية والدولية المعنية بمكافحة التطرف العنيف والتصدي لخطاب الكراهية، ونهاية بالحكومات والمؤسسات الفكرية، والثقافية، والتعليمية، والإعلامية التي ينبغي أن تتضافر جهودها من أجل تحصين مجتمعاتها من الآثار السلبية للتوظيف الأيديولوجي للمنصات الرقمية والتطبيقات الإلكترونية.
وقد أجمع الخبراء والباحثون المشاركون في هذه الندوة على أهمية توعية الجماهير وتحصين مدركاتها من كل من يحاول استغلال هذه المنصات والتطبيقات لزعزعة استقرار المجتمعات أو تزييف وعيها، وهذه المسؤولية تقع على عاتق المؤسسات المعنية بالتنشئة والتربية والثقافة، كالمؤسسات الدينية والإعلامية والتعليمية التي تسهم في توعية المجتمعات وتحصينها من الأفكار المتطرفة والدخيلة عليها، وتعمل في الوقت ذاته على تعزيز منظومة القيم الإيجابية كالتسامح والتعايش والوسطية وقبول الآخر والأخوة الإنسانية، باعتبارها منظومة القيم العالمية التي تمثل حائط الصد في مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة، أياً كان مصدرها سواء إسلاموية أو يمينية.

تريندز للبحوث والاستشارات