قبل وقت ليس بالبعيد، كان مصطلح الوباء، نادر الاستخدام بين العامة، حيث غالباً ما كان يقتصر استخدامه على الخبراء والمتخصصين في مجال الصحة العامة الدولية. هذا على الرغم من أن الجنس البشري، ومنذ وطأت قدمه سطح هذا الكوكب، دائماً ما ظل أفراده يرزحون تحت وطأة أوبئة عدة، قتلت، ولا زالت تقتل من بين أفراده، أضعاف ما قتل الوباء الحالي.
أحد هذه الأوبئة، والذي يحصد يومياً أرواح الآلاف من البشر، والقائم والمستمر منذ عصور ما قبل التاريخ، هو وباء الملاريا. فحسب الإحصائيات، أصاب طفيلي الملاريا عام 2018 حوالي 228 مليون شخص، لقى أكثر من 400 ألف منهم حتفهم، 67% من هؤلاء الضحايا كانوا من الأطفال دون سن الخامسة. هذه الأرقام على فظاعتها، تشكل نجاحاً باهراً لجهود الصحة الدولية، إذا ما أخذنا في الاعتبار أنه حتى عام 2000، كانت الملاريا تقتل قرابة المليون شخص سنوياً، وهو ما يعتبر خفضاً في أعداد الوفيات بنسبة 60% في أقل من عقدين.
واعتمدت الجهود الدولية تلك بشكل أساسي على إجراءات الوقاية والعلاج بالعقاقير، ولكن ظل تطوير تطعيم فعال ضد الطفيلي حلماً بعيد المنال، رغم ضخامة الجهود وحجم الاستثمارات المالية على مدار عدة عقود. هذا الوضع ربما آن له أن يتغير عن قريب، على حسب نتائج دراسة على تطعيم جديد، أجراها مؤخراً علماء من جامعة أوكسفورد ببريطانيا، شملت 450 طفلاً في «بوركينا فاسو» على مدار 12 شهراً، وأظهرت فعالية للتطعيم بنسبة 77%، ودرجة عالية من الأمن والسلامة. وبذلك يكون هذا التطعيم قد اجتاز هدف منظمة الصحة العالمية، الرامي إلى تطوير تطعيم يتمتع بنسبة فعالية أعلى من 75%، حيث لم تنجح التطعيمات السابقة في تحقيق فعالية أكثر من 55% فقط. ويخطط علماء أوكسفورد، وهي نفس الجامعة التي تم فيها تطوير أحد أهم التطعيمات المتاحة حاليا ضد كوفيد19، لتوسيع مجال الدراسة لتشمل 5 آلاف طفل في أربع دول أفريقية لتأكيد نتائج الدراسة الأولية.

ويعزى استغراق العلماء لسنوات وعقود لتطوير تطعيم ضد الملاريا، مقارنة بالتطعيم ضد فيروس كوفيد19، إلى أن الطفيلي المسبب للمرض يحتوي على آلاف الجينات الوراثية، مقارنة بفيروس كورونا الذي يحتوي على أقل من 12 جيناً وراثياً، كما أن قدرة مقاومة الجسم لطفيلي الملاريا تحتاج إلى استجابة مناعية شديدة وفائقة القوة.