لا يعني عام من الإغلاق الأميركي أننا أصبحنا أمة مليئة بخبازين خبز الموز والبستانيين الطيبين. فعلى الرغم من عزلة كوفيد -19، وبالرغم من أن التجمعات العامة الضخمة والمباني والشوارع المزدحمة على وشك أن تتلاشى، ما زلنا أمة دامية وعنيفة لا يمكن حتى لوباء أن يرويضها.
«ستيفاني فو»، من سكان العاصمة واشنطن، تقول: في اجتماع لرصد الأوضاع بعد موجة من العنف في حي «وارد 8» بواشنطن: «أخشى أن يكون العنف قد أصبح جزءاً من ثقافة هذا الجيل».
تشهد العاصمة، مثل باقي أنحاء البلاد، ارتفاع معدلات جرائم القتل إلى مستويات قياسية -زيادة بنحو 30% في 2020 مقارنة بعام 2019. في العام الماضي، شهدت العاصمة معدل جرائم قتل لم تشهده منذ حروب المخدرات في عام 2004. ونفس الشيء ينطبق على لوس أنجلوس وشيكاغو ونيويورك.
ولكن بدلاً من النكهة التجارية والانتهازية لتلك الموجة الإجرامية الأميركية الأخير، تبدو الجريمة في زمن الوباء أكثر غرابة وانحرافاً.
في العاصمة، لدينا فتاتان -13 و15 عاماً -متهمتان بقتل سائق «أوبر إيتس» أثناء قيادة السيارة الشهر الماضي. وبلغ معدل الجريمة ذروته هذا الشهر، حيث اصطدم سائق بضباط شرطة أميركي، مما أدى إلى مقتل ضابط وإصابة آخر. وكانت هناك حادثتا إطلاق نار على الطريق -جريمة مباشرة على طراز جرائم الثمانينيات -هذا الشهر، إحداهما جريمة قتل في بلدة ريفرديل بولاية ماريلاند، خارج حدود المقاطعة مباشرة، والأخرى بجوار مقر إقامة نائب الرئيس.
ثم رأينا بروز عمليات إطلاق النار الجماعية، حيث بدت أعلام الأمة منكسة على ما يبدو بشكل دائم بعد مقتل المتسوقين في سوبر ماركت في كولورادو، وعمال النادي الصحي الآسيويون في أتلانتا، وعملاء في متجر «رويال فارمز» في مقاطعة بالتيمور، وموظفين في مبنى إداري في كاليفورنيا، حيث كان من بين القتلى طفل يبلغ من العمر 9 سنوات، بالإضافة إلى مقتل وستة أشخاص على يد لاعب كرة قدم سابق في ساوث كارولينا، وثمانية عمال في منشأة فرز تابعة لشركة «فيدكس» في إنديانابوليس.
ولكن الأمر الغريب في كل هذا أن معدل الجرائم الأخرى تراجع. هذا أمر طبيعي، حيث سقط كل من يمارسون الجريمة بشكل يومي -السطو والسرقة والنهب وجرائم المخدرات -خلال العام.
هذا ما وجده باحثو اللجنة الوطنية حول كوفيد-19 والعدالة الجنائية عندما درسوا الأوضاع في 34 مدينة أميركية وما يفعله المجرمون فيها أثناء الوباء. كانت معدلات جرائم القتل قد انخفضت في البداية. لكن إراقة الدماء عادت بشكل كبير خلال الصيف.
وكتب الباحثون في تقريرهم: «في حين أن القيود المتعلقة بكوفيد ربما تكون قد أدت إلى خفض معدلات جرائم القتل مؤقتاً، إلا أن الوباء وضع الأفراد والمؤسسات تحت ضغط هائل، مما أدى في النهاية إلى ارتفاع معدلات جرائم القتل. وبالإضافة إلى ذلك، أعاق الوباء الوصول إلى الأفراد المعرضين للخطر -وهو عنصر أساسي في معظم استراتيجيات مكافحة العنف القائمة على الأدلة».
قبل أن تصبح مستشفيات بلادنا وحدات طبية متنقلة أثناء الوباء، كان الاختصاصيون الاجتماعيون معتادين على زيارة ضحايا الأعيرة النارية في غرف التعافي. يساعد هذا النوع من التفاعل الضحايا على التعامل مع الصدمات -كما تهدف الاستشارة إلى الحد من سيناريوهات الانتقام، وكسر تلك الأنماط القديمة من العنف.
كتب معدو التقرير: «تتطلب هذه الجهود تفاعلاً وجهاً لوجه من قبل الشرطة والصحة العامة والعاملين في المجتمع مع أولئك الذين من المرجح أن يكونوا متورطين في العنف، لا يمكن استبدال هذه التفاعلات بلقاءات عبر برنامج زووم»
إذن، فالعنصر الأساسي هو الصحة العقلية.
إن الجرائم المدروسة -السطو والسرقات والنهب والنشل والاحتيال -تنخفض لأن الأهداف والفرص أقل.
لكن العديد من أعمال القتل لا تُحسب -فهي اندفاعية وغير عقلانية ومتهورة.
«أثناء الوباء، اشتكى حوالي 4 من كل 10 بالغين في الولايات المتحدة من أعراض القلق أو الاضطراب الاكتئابي، وهي نسبة كانت ثابتة إلى حد كبير، مقارنة بواحد من كل عشرة بالغين شكوا عن هذه الأعراض من يناير إلى يونيو 2019»، وفقاً لما ذكره تقرير واستطلاع للرأي أجرته مؤسسة «قيصر فاميلي» وتقرير دراسة اتجاهات 2020.
يمكن أن تكون الحاجة إلى زيادة خدمات الصحة العقلية أحد أهم النقاط المستفادة من هذه السنة الغريبة من العزلة التي تحملناها، وهي الطريقة الأفضل لإصلاح حفظ النظام في الولايات المتحدة.
وقال «روبرت كونتي»، قائد شرطة العاصمة، خلال جلسة التصديق على تعيينه الشهر الماضي: «لا أريد استخدام سلاحي الناري. لا أحب استخدام الأصفاد».
لقد كان أحد المبادئ المعتمدة في إصلاح الشرطة – اعتماد أقل على القوة، وتركيز أكبر على منع العنف.
والمثير للدهشة هو أن دوريات الشرطة، وكاميرات الشوارع، وحظر التجول، وضوابط المرور، وتنظيم الأسلحة، وحراس الأمن –كلها ظلت دون تغيير إلى حد كبير خلال الوباء، ومع ذلك تصاعد العنف.
ما تغير هو تقليص برامج الاستشارة والتوعية والعلاج وجها لوجه. وارتفعت معدلات القتل.

*كاتبة أميركية متخصصة في شؤون المشردين ومراقبة السلاح
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»