لعلها صُدفة طيبة الإعلان عن إطلاق مركبة فضائية إماراتية إلى القمر، في الذكرى الستين لرحلة رائد الفضاء يوري جاجارين التاريخية التي احتفلت روسيا ودول عدة بذكراها الستين قبل أيام (12 أبريل 1961).
وتُعد هذه المركبة التي سيتولى خبراء إماراتيون تصميمها خطوةً جديدةً في أنشطة استكشاف الفضاء، بعد النجاح في إطلاق «مسبار الأمل» الذي دخل مدار كوكب المريخ في فبراير الماضي، ويقوم الآن بإرسال معلومات غير مسبوقة عن مناخ هذا الكوكب وغلافه الجوي، اللذين طالما أثارا حيرة العلماء في العالم.
لم يكن ممكناً أن يبقى العرب بعيدين عن التقدم الذي يحدث كل يوم في استكشاف الفضاء، وما يرتبط به من بحوث علمية تفيد في مجالات متعددة، وما يؤدي إليه من تطور تكنولوجي، وتطوير اقتصادي، وكأنهم خارج العالم الذي يعيشون فيه. ومن هنا أهمية الدور الريادي الذي تقوم به دولة الإمارات في هذا المجال، ويفخر به العرب في كل مكان، ويفتح أمام أجيالهم الجديدة آفاقاً غير محدودة، ويُدعّم آمالهم في مستقبل أفضل. وقد جاء هذا الدور في وقته ليؤكد قدرة العرب على الإنجاز والارتقاء، ووضع أنفسهم في قلب العالم بدلا من أن يبقوا على هامشه، ومشاركته في التقدم الذي حدث في مجالات استكشاف الفضاء الخارجي خلال الأعوام الستين المنقضية منذ أن غادرت مركبة يوري جاجارين مدار الأرض، وطارت في الفضاء الخارجي.
وعندما تحقق ذلك الإنجاز، كان هبوط الإنسان على سطح القمر حلماً كبيراً بدا يومها أنه يقترب، فما بالنا بالوصول إلى كوكب المريخ. فلم يكن الاقتراب من هذا الكوكب يخطر في بال أحد حين كان الاهتمام محصوراً في بلوغ القمر الذي أثار خيال الإنسان وحيرته منذ القدم، وورد ذكره في كثير من القصائد العاطفية التي كتبها محبون خاطبوا فيها مَن أحبوهم، حين كانوا ساهرين ولم يجدوا غيره رفيقاً في الليل.
كان القمر يبدو بعيداً جداً في ذلك الوقت قبل ستين عاماً. لكن المسافة التي تفصله عن الأرض، والبالغة نحو 360 ألف كيلومتر، تبدو اليوم أقرب مما كانت بكثير بعد النجاح في الوصول إلى كوكب المريخ الذي يبعُد عن كوكبنا بمسافة تتراوح بين 40 و54 مليون كيلومتر. فقد فتح بلوغ القمر أبواباً واسعة أمام تقدم سريع في استكشاف الفضاء، وتبين أن الأخذ بأسباب العلم يُتيح الوصول إلى أبعد منه بكثير، ويُمكِّن الإنسان من استكشاف المجرة التي تقع فيها الأرض (مجرة درب التبانة) كلها.
وكان صائباً قرار قيادة دولة الإمارات البدء بإطلاق مسبار إلى كوكب المريخ الأبعد من القمر، عندما أخذت على عاتقها أن تضع حداً لغياب العرب عن هذا المجال الذي صار أحد أهم مقاييس التقدم، ومن أبرز وسائل الإسراع به، في آن معاً. فكان إطلاق مسبار الأمل، بالتزامن مع مسباري بيرسيفرانس الأميركي وتيانوين-1 الصيني في العام الماضي، مما وضع دولة الإمارات في قلب عمليات استكشاف الكوكب الأحمر، جنباً إلى جنب أكثر الدول تقدماً في أنشطة الفضاء الخارجي. فأن تبدأ من نقطة متقدمة في مشروع ضخم على هذا النحو لهو خير من أن تأخذ المسار من بدايته، مادام في إمكانك أن تفعل. ومن هنا مغزى إطلاق مسبار الأمل إلى المريخ، بعد نحو ستة أشهر على مشاركة رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري في رحلة إلى الفضاء، وقبل الإعداد لإطلاق مسبار راشد إلى القمر ليهبط في منطقة لم يبلغها أحد من قبل في الرحلات المأهولة السابقة. والمهم أن هذا كله يأتي في إطار مشروع متكامل يشمل برنامجاً لإعداد رواد فضاء إماراتيين، اختير اثنان جديدان فيه قبل أيام من بينهما سيدة. 
ولهذا سيزداد اهتمام العالم بإطلاق مسبار راشد نحو القمر بعد أن أثبتت دولة الإمارات حضورها بقوة في مجال استكشاف الفضاء، عبر مشاركتها في أحدث تطور يشهده ومنذ بدايته. فلم يبدأ استكشاف المريخ فعلياً إلا قبل سنوات قليلة، وتحديداً عام 2016، بعد إخفاق معظم المركبات الفضائية التي أُرسلت قبل ذلك في الوصول إلى وجهتها.
ويتيح النجاح الذي تحققه دولة الإمارات في مشروعها لاستكشاف الفضاء التخطيط لخطوات أبعد استناداً إلى تراكم الخبرة والمعرفة في مجال لا حدود للتقدم فيه.