أسدل حلف شمال الأطلسي (الناتو) الستار على أربع سنوات من الاتهامات المباشرة للرئيس الأميركي السابق (دونالد ترامب) الذي استغل الأحداث الدولية الكبيرة وهاجم حلفاءه. وهذه الأيام، تتواصل المؤشرات التي تؤكد جدية قرار إدارة الرئيس الأميركي (جو بادين) القطيعة شبه التامة مع السياسة الخارجية لسلفه (ترامب) في ما يتعلق بالعودة إلى (الناتو) بدأتها بترميم التحالف مع الاتحاد الأوروبي والتنسيق مع شركائها.
الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها اهتزت في السنوات الماضية، وبحسب الاستطلاعات فإن تسعة أعشار الأميركيين يعتقدون بضرورة الحفاظ على التحالف بين بلادهم و«الناتو» لتحقيق الأهداف المشتركة، لذا لا يخلو لقاء للقادة الأميركيين إلا ويؤكدون فيه على التزام الولايات المتحدة تجاه حلف «الناتو» ودوره الأساسي لكونه الأداة الأولى التي لا غنى عنها لضمان السلام والحرية عبر المحيط الأطلسي. فدور هذا الحلف مهم في مناقشة أهمية استمرار التشاور بشأن أفغانستان، والحد من التسلح ومسائل الأمن الإقليمي، إلى جانب مناقشة تقرير «الناتو» لعام 2030، الذي يوفر أساسًا متينًا لتكيّف «الناتو» مع الحقائق الاستراتيجية الجديدة، بما في ذلك تغير المناخ.
لقد كان للتصريحات الأميركية دورها الكبير في إعادة الطمأنينة في أروقة الحلف، حين تحدث بيان لهذا الأخير عن موعد عقد قادة الحلف لقاء قمة في 14 يونيو في مقر المنظمة في بروكسل. ومما أوضحه البيان: «القمة فرصة فريدة لتعزيز الحلف الذي«يجسد الرابط الدائم بين أوروبا وأميركا الشمالية»، خاصة في وقت تتزايد فيه النقاط الخلافية مع روسيا ولا سيما حول أوكرانيا، وبدء قرار دول الحلف سحب قواتها من أفغانستان في الأول من مايو بهدف الانسحاب الكامل بحلول 11 سبتمبر.
تعهد الرئيس بايدن منذ وصوله إلى البيت الأبيض بإعطاء الأولوية لترميم التحالفات، خاصة مع شركاء واشنطن الأوروبيين، بغية إعادة بناء الثقة بين ضفتي الأطلسي، والتي كان قد بددها سلفه (ترامب). ونتذكر مسارعة وزير الخارجية (أنتوني بلينكن) لاعتماد ذات التحذيرات التي تعتاش منها الحرب الباردة، محذراً من التهديد الذي تشكله الصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها في«الناتو»، وكأنه الشرط الأساسي لإحياء ال«ناتو» الحرب الباردة الذي كانت موسكو تعمل له أكثر من حساب.
في السياق ذاته، يمكن ملاحظة مؤشرات على تحسن العلاقة بين«الحلف» والبيت الأبيض، وكيف أنه سيمكن تلمس أثره على الأرض في تراجع التصعيد في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث يلعب«الناتو» دوراً جيداً في محاولة تقليل التوترات والتأكد من أنه، في المناطق التي توجد بها نزاعات، لن يقوم أحد بأفعال استفزازية. وقد بان ذلك واضحاً حين أقر الأمين العام للحلف (ينس ستولتنبرغ) بالقول:«أؤمن أن الناتو على الأقل يمكن أن يمثل منصة مهمة لإجراء نقاشات وحوارات جدية حول المخاوف المختلفة في الحلف»، إنه عهد أميركي جديد – يحمل – في طياته لحلف الأطلسي أفقاً جديداً.