بفضل جولتين إضافيتين من أموال المساعدات المرتبطة بـ«كوفيدـ 19»، (900 ملياردولار قبيل نهاية عهد دونالد ترامب، والثانية 1.9 تريليون دولار في بداية عهد جو بايدن)، وانحسار القلق حيال الجائحة انتعش الاقتصاد الأميركي أسرع من منافسيه، مسجلاً أقوى أداء في أربعة عقود. وزاد الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام الحالي بوتيرة سنوية 6.4%، وهو ثاني أسرع معدل للنمو، منذ الربع الثالث عام 2003. ووفق توقعات«الاحتياطي الفيدرالي» من المرجح أن يتوسع الاقتصاد 7% هذا العام، مع تقدم مسيرته نحو التعافي من تبعات«كورونا». ولكنه رغم ذلك لم يتجاوز بعد، مرحلة الخطر بشكل كلي، ولايزال أمامه طريق طويلة، لتحقيق الانتعاش الكامل.
وخلافاً لذلك، كان الأميركيون قد ودعوا بقلق شديد، ولاية ترامب بـ«أسوأ» سنة مالية في تاريخ الولايات المتحدة، وقدر العجز في سبتمبر الماضي(نهاية السنة المالية) ب 3.13 تريليون دولار، بما يشكل 15.2% من الناتج المحلي، بسبب الفجوة بين ما أنفقته الدولة بنحو 6.55 تريليون دولار، وما حصلت عليه 3.42 تريليون، وهو أعلى مستوى له منذ الحرب العالمية الثانية.
والأخطر من ذلك، أن العجز استمر خلال 4 أشهر الأولى من العام المالي (أكتوبر 2020 يناير 2021)، مرتفعاً 89% إلى 736مليار دولار، وبينما زادت الإيرادات 1% فقط إلى 1.19 تريليون دولار، قفز الإنفاق 23% إلى 1.92 تريليون دولار، متأثراً بأسوأ أداء اقتصادي، حيث سجل العام الماضي انكماشاً بأقسى وتيرة 3.5%، وفقد الناتج المحلي الزخم للتعافي من«كورونا».
ويواجه الرئيس بايدن حالياً تحدياً كبيراً في تنفيذ خطته الإصلاحية التي تصل تكلفتها إلى 4 تريليونات دولار، نصفها لإصلاح البنية التحتية، والنصف الآخر لتغطية نفقات«قانون العائلات الأميركية»، وهو يقترح لتمويلها، مضاعفة ضريبة الأرباح الرأسمالية من 20% إلى 39.6%، وتشمل الأثرياء ممن يكسبون أكثر من مليون دولار سنوياً، وكذلك زيادة ضريبة الدخل الحدي من 37% إلى 39.6%. وقد دافع الرئيس الأميركي عن اقتراحه قائلاً: «حان الوقت لتبدأ الشركات الأميركية وواحد في المئة من الأميركيين وهم الأغنى، دفع حصتهم العادلة». وأوضح «بريان ديس» كبير مستشاري بايدن الاقتصاديين، بأن زيادة الضرائب هي جزء من إصلاح ضريبي، «ونحن نحتاج إلى أن نفعل شيئاً ما لتحقيق المساواة بين الضريبة على العمل والضريبة على الثروة».
وتأتي خطوة بايدن، في وقت تتميز فيه الولايات المتحدة بين البلدان الرأسمالية المتقدمة، بأنها الأكثر غرقاً في عدم المساواة على مستوى النظام الاجتماعي، وفق بعض الدراسات أن 72% من الشركات لديها إلتزامات ضريبية «صفرية». وفي المقابل يدفع العمال ضرائب تصل نسبتها الى30%، علما أن الشركات التي تدفع الضرائب لايتجاو14%. وبحسب مكتب خدمات الدخل المحلي الأميركي، يبلغ حجم التهرب الضريبي لأصحاب المليارات نحو 458 مليار دولار سنويا.علما أن أكثر من 2.5 تريليون دولار تختفي في ملاذات ضريبية في الخارج. بينما الشركات التي تمر بأزمات تلقت نحو14.4 تريليون دولار من الأموال العامة، على شكل«حزم إنقاذية»، والقسم الأكبر منها يؤخذ من جيوب دافعي الضرائب.وهكذا يدفع العمال ضرائب مقابل التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية العامة، فيما يذهب جزء كبير من هذه الضرائب إلى الإعانات الحكومية لأصحاب المليارات.
* كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية