«بحبك يالبنان.. ياوطني بحبك.. بحبك يالبنان..بشمالك بجنوبك.. بسهولك بجبالك بحبك...يالبنان... ياوطني»، هكذا سمعنا وقرأنا وعرفنا لبنان العربية الجميلة وعشقناها وتعلقنا وارتبطنا بها منذ الصغر. كنا نسمع من لبنان كلمات مؤثرة. وكنا في الطفولة أثناء المراهقة نتلقف مطبوعاتها وإصداراتها، آنذاك كان لبيروت بريقها وتوهجها وتألقها. لأنها كانت الرئة النظيفة والمتنفس للعالم العربي كله.
منها يأتي الشعر والأدب والفن، وكل شيء جميل وجديد ومتميز، له صلة بالإبداع والذوق الرفيع (قديماً)!
وأثناء طفولتنا في البادية نقف على الطرقات السريعة الآتية من جهة لبنان، أحياناً نجد غلاف مجلة أو قصاصة مطبوعة ورقية لبنانية طائرة من نافذة سيارة في الصحراء على قارعة الطريق، (نفس الطريق التي تمر فيه شاحنات الفواكه والخضراوات الآن أو قبل منعها)! لنرى صور مقاهيها، وصور شجرة الأرز وارفة الخضرة وحدائقها النظيفة المتنوعة الجميلة الزاهية! 
أمنياتنا ونحن صغار حين يصدر لنا جواز سفر مستقل عن العائلة، أن نسافر إلى بيروت العربية، ونستمتع بمقاهيها النظيفة وأزقة شوارعها المزخرفة باللوحات والصور والورود، ونأكل من (فاكهتها) الطازجة الطبيعية الطرية قبل أن يلوثها العبث!
كان لبنان زاهياً بمشاهده الأخاذة الجميلة المدهشة، التي كانت تشكل مصدر إلهام للمبدعين لنستمتع في مدينة (باريس الشرق)، قبل أن تتحول إلى ثكنات عسكرية ودكاكين طائفية وزوايا مظلمة وأوكار لاستيراد (الإرهاب) وإعادة تصديره!
كانت بيروت جميلة ورائعة جداً، في كل تفاصيلها وتاريخها ومعالمها وتراثها وأدبها وفنها، كانت حلماً لنا متى نزورها ونصوّر في شوارعها النظيفة وخلفنا شجرة الأرز الزاهية، وعلى يميننا صورة المطربة فيروز، وعلى يسارنا صورة الفنان وديع الصافي!
رغم أننا لا نتقن فن التصوير ولا حركات اللبنانيين في الدعاية والتسويق لبلدهم في تلك المرحلة الماضية! لكن يبدو أن الطائفية السياسية والتدخلات المغرضة لم تترك لبنان على حاله، بل بددت كل ما يمتلكه هذا البلد من مميزات، وجعلت شعبه ينتقل من أزمة إلى أخرى أشد، وكأن حالهم معضلة مستعصية.
واليوم أصبحت لبنان (بعبعاً)، ومصدر قلق يهددنا من خلال تهريب المخدرات في خضراواتها الطازجة وفاكهتها، بعد أن سممت كثيراً من بطون وأفكار وعقول أبنائها اللبنانيين، الذين فقدوا بوصلة الوطن وانتماء الأرض، وفرطوا في رمزية شجرة الأرز.
أصبحت بيروت مستباحة للغرباء الذين عاثوا فيها تنكيلاً وفساداً، وصنفوها شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وشوهوا سماءها وأرضها وماءها، وأصبحت تزرع وتنتج خضراوات ملفوف بداخلها سموم قاتلة، وحبوب مخدرة.
وكذلك الحال أصبحت شجرة الأرز الخضراء الرائعة تثمر «رماناً يدوياً» قاتلاً على مسافة بعيدة، لكي ترضي أفكار وعقول أصحاب العمائم السوداء، التي تنطوي وتتلوى داخلها الأفاعي السامة القاتلة، واستباحت واستولت وأكلت كل الخضراوات والفواكه الطبيعية المثمرة الطازجة، وأصبحت تصدر سمها الزعاف إلينا، وما زالت مصرة مراراً وتكراراً على أن المحتوى النباتي صالح للأكل والاستهلاك البشري.