كان بدء الاتحاد الأوروبي لعملية التلقيح ضد كوفيد- 19 أشبه بمزيج من دعابة سمجة وحلم سيء. ذلك كل شيء تقريباً نحا منحى سيئاً: الإخفاقات اللوجستية، وتأخر الإمدادات والنزاع القبيح مع شركة «استرازينيكا». وفضلاً عن ذلك، سقوط اقتصاد منطقة اليورو في ركود مزدوج في وقت سابق من هذا العام، بعد أن تعرض لموجات متعاقبة من الفيروس. 
غير أن التكتل تجاوز منعطفاً حقاً خلال الأيام الأخيرة. ذلك أن جهداً منسقاً لتطعيم الناس أخذ يؤتي أكله، مستفيداً من توسيع إمدادات اللقاحات والضغط الشعبي للفرار من الإغلاقات المؤلمة للمجتمع. وهكذا، بات متوسط المعدل اليومي للقاحات في الاتحاد الأوروبي حالياً يناهز 7 جرعات لقاح لكل ألف شخص، ما أغلق الهوة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بشكل كامل هذا الأسبوع. ومؤخراً، حطّمت ألمانيا الرقم القياسي ب1,1 مليون تلقيح في يوم واحد، بينما توجد فرنسا في منتصف الطريق إلى ذاك الرقم. وعلاوة على ذلك، أخذت تظهر مؤشرات تشير إلى أن تفاؤلاً جديد بدأ يدبّ في الاقتصاد. 
فالحذر البيروقراطي الكلاسيكي الذي يميز الاتحاد الأوروبي حلّ محله موقفٌ ينم عن إيمان بالقدرة على إنجاز الأشياء: إذ استُخدمت ملاعب كرة القدم الفرنسية والمتاحف الإيطالية كمراكز تلقيح، وجُنّد أطباء العائلة والصيادلة لتطعيم الناس. وعلى الرغم من بعض التغيرات الخرقاء في الموقف بخصوص سلامة لقاح أسترازينيكا، والتي أدت إلى إبطاء عملية التلقيح، إلا أن التردد في تلقي اللقاح أخذ ينحسر في وقت يُنظر فيه إلى الحريات المسترجَعة حديثا في إسرائيل وبريطانيا بغبطة. وعلاوة على ذلك، تتزايد سرعة عملية صنع اللقاح، إذ يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى قدرة إنتاج سنوي تبلغ 3 مليارات جرعة لقاح بنهاية 2021. 
أكثر من 70 مليون أوروبي تلقوا الآن جرعة لقاح واحدة على الأقل، وهو ما يعادل نحو خمس سكان الاتحاد الأوروبي. ومع أن التكتل ما زال بعيداً عن هدف تغطية 70٪ من البالغين بعدة أشهر، إلا أن ذلك له تأثير مباشر على الفيروس. فالإصابات والوفيات الجديدة أخذت تنخفض في فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، بعد موجة ثالثة شهدت اكتظاظ المستشفيات بالمصابين وتحطم شركات. ومرة أخرى، شُرع في رفع الإغلاقات، بشكل يؤمل أن يكون نهائياً هذه المرة.
ولكن الكثير يتوقف على التعاطي مع المرحلة المقبلة بشكل صحيح. والصيف المقبل هو أفضل أمل لدى أوروبا في شيء قريب من الوضع العادي بالنسبة لمنطقة حُرمت من السياحة وإنفاق المستهلكين لشهور. وفي الأثناء، يبدي الزعماء ثقة: إذ قال ماريو دراغي للعالم إن يحجز عطلاته في إيطاليا، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوسّع نطاق تلقي التلقيح ليشمل كل البالغين قبل التاريخ المتوقع، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز قال لبلاده إنها بلغت «بداية نهاية» الوباء. 
ولكن هناك حاجة إلى ضمان بقاء لوجستيك اللقاح وإدارة الوباء الأساسية على سكتها. والحذر ما زال مطلوبا: ففرنسا أخذت ترفع القيود في وقت تبلغ فيه مستويات الحالات اليومية نحو 300 لكل مليون نسمة، أي ما يعادل ضعف المستوى الحالي للولايات المتحدة وعشرة أضعاف مستوى المملكة المتحدة. وانطلاقاً من تجارب بلدان أخرى، فإن وتيرة التلقيح قد تتباطأ في وقت يصبح فيه الأشخاص الأكثر شبابا والأقل هشاشة مؤهَّلين لتلقي اللقاح على اعتبار أنهم قد يكونون أكثر تردداً في تلقيه. غير أنه من غير الواضح ما إن كانت التشجيعات والتحفيزات التي تجرَّب، من قبيل عرض ألمانيا تخفيف القيود بالنسبة للأشخاص الملقَّحين بشكل خاص، ستغيّر تلك الدينامية. 
وفي حال جلب الصيف أياماً أكثر إشراقاً، سيحتاج المستهلكون إلى إشارات ثقة لضمان أن تؤدي إعادة الفتح إلى انتعاش الإنفاق الذي يتوقعه الاقتصاديون والمستثمرون. وهذا يعني كبح أي ميل إلى سحب الدعم الحكومي بشكل أسرع مما ينبغي وسط زيادة في الأسعار وضعف في سوق العمل. 
كما أنه يعني إنجاز وعد خطة الاتحاد الأوروبي لتحفيز الاقتصاد البالغة 750 مليار يورو (905 مليارات دولار)، والتي من المرتقب أن تدفع مجموعتها الأولى من المنح هذا الصيف. وفي الأثناء، يتوقع اقتصاديو «بركليز بي إل سي» ألا يعود الناتج المحلي الخام لمنطقة اليورو إلى مستويات ما قبل الأزمة حتى حوالي منتصف العام المقبل، وأن ندوب الوباء ستكون عميقة. غير أنه أمر مثلج للصدور رؤية الاتحاد الأوروبي يتعلّم من الأخطاء الماضية ويمنح نفسه فرصة للتعويض عن الوقت الضائع. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»