دفعت التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق إلى حتمية مواجهة الحكومات للتحولات السياسية والاقتصادية الناتجة من تصارع الأيدولوجيات والمشروعات الإقليمية والدولية. وفي الوقت ذاته عززت تداعيات جائحة كوفيد-19 جاهزية الدول في التأقلم مع المتغيرات المفاجئة في توجهات اقتصادات العالم.

التحولات الاقتصادية الكبيرة تصاحبها تحولات إجتماعية كبيرة أيضاً، وهذا هو حال دول الخليج العربي، التي تمتلك رؤى استباقية تلبي احتياجات مجتمعاتها. ونشير هنا إلى القمة العالمية للحكومات التي أعدت تقريراً استشرافياً يشمل 21 أولوية لحكومات العالم في عام 2021، وأهم 5 أولويات ينبغي التركيز عليها يأتي من ضمنها التنافسية في اقتصاد المستقبل، والتي دعت الحكومات إلى أهمية الاستعداد للتغيرات التشريعية الجذرية، والاستفادة من الفرص الناشئة أو بناء مهارات مستقبلية للأفراد، وأيضاً تنويع سلاسل التوريد لتحقيق التوازن بين الاكتفاء والتنافسية سيساهم في استخدام أدوات غير تقليدية بعيداً عن الطرق القديمة. 
وبالرغم من أن الاقتصادات الوطنية في دول الخليج تعتمد على أنشطة استخراج النفط كمصدر رئيسي لموازناتها، فإن هذه الدول استعدت مبكراً لدخول مرحلة ما بعد النفط من خلال الاستثمار في التنويع الاقتصادي وبناء القدرات والموارد البشرية المواطنة لتحقيق متطلبات الانتقال إلى عالم اقتصاد المعرفة. كما تجدر الإشارة إلى تحديات تواجه تنافسية مستقبل اقتصادات دول الخليج العربي مستقبلاً، لن تكون من بينها تداعيات جائحة كوفيد-19، لأن المرحلة الحرجة التي مر بها دول العالم قد تم تجاوزها، لا سيما بعد اكتشاف لقاحات للفيروس، وهي تمثل بارقة أمل لعودة النشاط الاقتصادي تدريجياً إلى مستويات أفضل.

ولكن من بين هذه التحديات يأتي أمن الطاقة وأسعار النفط في حال رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران وعودتها إلى السوق العالمي وارتفاع مستوى إنتاج النفط. بالإضافة إلى حفظ الأمن والسلام في اليمن من تداعيات هجمات المليشيات «الحوثية» الإرهابية أو النزاعات الإقليمية التي تهدد الممرات الدولية. وهناك أيضاً خطر التدخلات الإقليمية الطائفية، التي تغذي الإرهاب في الدول الصديقة. وأيضاً، آثار تغير المناخ على الأمن الغذائي في الخليج، وأيضاً الإشاعات والبيانات الزائفة التي تضعف ثقة المستثمر أو الرأي العام في بيئة استثمارية محفزة. 
ما يلفت الانتباه أن الاقتصاد الخليجي ضخم للغاية، وعلى ضوء بيانات صندوق النقد العربي 2017 بلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج العربي الست نحو 1.4 تريليون دولار، ما يحمل في طياته من براهين على جهود الاستثمار في قطاعات اقتصادية مستهدفة مثل الفضاء، وتكنولوجيا الطاقة النووية السلمية والذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي. وهذا بالإضافة إلى البنية التحتية القوية، والخبرات الدبلوماسية التي تمتلكها دول الخليج في إدارة علاقاتها الاقتصادية الوثيقة وسرعة التكيف مع المتغيرات بسبب القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، والاستفادة من الفرص والتحديات الناشئة. وأخيراً، لا تكتمل التنافسية الحقيقية إلا في الاكتفاء الذاتي الذي يتحقق بالتعليم والاستثمار في المواهب البشرية.