أصبحت حالة المجتمع أحد معايير قياس القوة الشاملة للدولة. لا تكفي الأسلحة التي تملكها الدول كماً ونوعاً، ولا حجم اقتصادها ومعدلات نموه.. فالقوتان العسكرية والاقتصادية تفقدان بعض قيمتهما حال حدوث خلل كبير في المجتمع، خاصةً إذا انقسم على نفسه. وانقسام المجتمع هو الخطر الأكبر الذي يُهدَّد الولايات المتحدة اليوم في لحظة بالغة الدقة، إذ تزداد نُذر حروب من نوع جديد تحدّث عنها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في أول مايو الجاري، من دون أن يحدد ماهيتها. لكن الأرجح أن حالة المجتمع ستكون أكثر تأثيراً فيها، وربما يتحول ما كان يُسمى «الجبهة الخلفية»، أي الداخلية، إلى جبهة أمامية أكثر أهمية من أي وقت مضى.
قيل الكثير حول مسؤولية الرئيس السابق دونالد ترامب وأنصاره عن الانقسام الأميركي، أو بالأحرى عن ازدياد حدته. وكان أكثر هذا القول في مجال الوعد باستعادة وحدة المجتمع وتماسكه إذا فاز «الديمقراطيون» بالبيت الأبيض ومجلسو الكونجرس. لكن فوزهم لم يُغَّير شيئاً بعد في هذا المجال، ولا يوجد ما يفيد أنه سيغيِّر قريباً وفق ما يمكن استنتاجه من المائة يوم الأولى للرئيس بايدن. فلهذه الفترة، على قصرها، دلالة بالغة الأهمية في التقاليد السياسية الأميركية، إذ يُنظر إلى ما يحدث فيها بوصفه صورة مُصغَّرة لفترة رئاسية جديدة. فالمعتاد أن يُركَّز الرؤساء خلالها على ما يرونه أولويات يتعين أن تحظى بأكبر مقدار من العناية.
غير أن رأب التصدعات المتزايدة المترتبة على انقسام المجتمع الأميركي لم يكن له مكان في أي من الخطوات التي اتُخذت خلال مائة يوم الأولى لإدارة بايدن، بل على العكس أدى بعض هذه الخطوات إلى تعميق الفُرقة في أوساط شعب يبدو أحياناً، في الوقت الحالي، كما لو أنه شعبان لكل منهما عالمه المنفصل عن الآخر. فقد تصرف الديمقراطيون في مجلسي الشيوخ والنواب بشكل منفرد عابوا مثله، وربما أقل منه، في فترة ترامب. لم يأخذوا خطوة باتجاه التعاون مع الأعضاء «الجمهوريين» في المجلسين، رغم أن المبدأ الديمقراطي يفرض هذا التعاون حين يكون تمثيل الفريقين متقارباً بشدة، بل متساوياً في مجلس الشيوخ. فقد اعتمد الديمقراطيون على أغلبية طفيفة للغاية في مجلس النواب، وعلى الصوت المُرجح لنائبة الرئيس كامالا هاريس التي تتولى رئاسة مجلس الشيوخ بحكم منصبها.
كما أن التعاون البرلماني مبدأ ديمقراطي أساسي فيما يتعلق بالتشريعات الكبرى. لكن الديمقراطيين مرروا حزمة تحفيز اقتصادي ومالي قيمتها 1.9 تريليون دولار، وبرنامج لإعادة بناء البنية الأساسية بكلفة تصل إلى 2.3 تريليون دولار، بطريقة منفردة اعتماداً على أغلبيتهم الهشة.
وسيفعلون مثل ذلك بعد أيام في تمرير التشريع الخاص بزيادة الضرائب على الشركات والأثرياء لتمويل الإنفاق العام الكبير المختلف عليه بين الأميركيين عموماً، وليس بين الحزبين الرئيسيين فقط. 
وفي هذا النوع من الخلافات يصبح الجوار والتعاون ضروريين، خاصةً في حالة انقسام المجتمع. ويزداد خطر هذا الانقسام في أميركا حين يكون المجتمع مُوحدَّاً ومُتماسكاً في كل من الصين وروسيا اللتين تخاطر إدارة بايدن بتصعيد الصراع ضدهما في وقت واحد. 
ويبدو أن نخبتي الحكم في بكين وموسكو تدركان أهمية تماسك المجتمع أكثر من النخبة الأميركية التي لا يصح أن تستهين بما قد يجعل الولايات المتحدة أمةً في خطر حال استمراره وإغفال تداعياته على القوة الشاملة للدولة. وهذا خطر كذلك على العالم، والذي يحتاج أميركا قوية ليحافظ على توازنه في مرحلة انتقال صعبة وحافلة بتفاعلات جديدة تساهم في تشكيل ملامح النظام الدولي لفترة طويلة قادمة.