تشهد الهند موجة ثانية مدمرة من كورونا أنهكت بنيتها التحتية الصحية أدت إلى عجز في الأوكسجين وأسرّة المستشفيات والعقاقير. وهذه المرة، تقدم المجتمع الدولي لمساعدة الدولة الجنوب آسيوية. وهذا أظهر مدى ترابط العالم وأبرز ضرورة عمل المجتمع الدولي معاً على التصدي للجائحة وبناء جبهة عالمية موحدة. فكما شهدنا منذ العام الماضي، لا يعرف الفيروس أي حدود ونشر دماره عبر القارات. والطريقة الوحيدة لمكافحته هو جمع الموارد حتى يستطيع العالم البدء في التعافي من هذا الدمار. 

وظلت الهند لسنوات مانحاً عالمياً للقاحات والعقاقير. لكن في تحول مفاجئ، أصبحت تعتمد الآن على المساعدات القادمة من أكثر من 40 دولة- الغني منها والفقير- في علامة على قدرة كوفيد-19 على تغيير حظوظ البلاد سريعاً. وخرجت الهند سالمة نسبياً من موجة كوفيد-19 الأولى، لكنها تضررت بقوة من الموجة الثانية الأكثر قدرة على العدوى. وارتفعت حالات الإصابة لتبلغ 400 ألف حالة في اليوم وتجاوز إجمالي الإصابات أكثر من 20 مليون حالة. ويتوقع بدء الانحدار بعد بلوغ القمة في نهاية مايو الجاري. لكن بعض التقارير تتوقع استمرار الصعود خلال يونيو. 
والزيادة في الحالات أضرت بالبنية التحتية الصحية الهندية بشدة. والناس في العاصمة نيودلهي ومومباي مازالوا يعانون من نقص كبير في الأوكسجين. ويجري إنتاج الأوكسجين في الهند في المناطق الشرقية من البلاد. ويعد نقله من ولايات بعيدة تحدياً كبيراً في ظل غياب إسطوانات التبريد. والناس يقفون في طوابير طويلة لإعادة ملء إسطوانات الأوكسجين، والعقاقير ينفد مخزونها أيضاً. 

وأشارت بيانات حكومية إلى أن طلب البلاد ارتفع الآن إلى ما يترواح بين 300 و400 ألف جرعة في اليوم من عقار «ديمديسيفير»، بينما تنتج البلاد 60 ألف جرعة فقط في اليوم. والأزمة عميقة لدرجة أن الهند لم يعد لديها خيار سوى تغيير سياستها الراسخة في عدم قبول أي مساعدة من الخارج أثناء الأزمات.

ففي عام 2004، رفضت الهند تلقي مساعدات للإغاثة من تسونامي ورفضت بالمثل عروض مساعدة بعد زلزال ضرب ولاية أتراخاند. لكن أزمة كوفيد أجبرت الهند على طلب المساعدات الدولية. وجاءت الاستجابة في صورة كبيرة، مع سعي الدول، الغنية والفقيرة والكبيرة والصغيرة منها على السواء، إلى إرسال كل ما في وسعها للخروج بالهند من الأزمة. فقد أرسلت 40 دولة من الشرق والغرب نحو 550 وحدة لإنتاج الأوكسجين وأربعة آلاف مكثف أوكسجين و10 آلاف إسطوانة أوكسجين، بالإضافة إلى عقاقير مثل «ريمديسيفير» و«فافيبيرافير». 
وبعض هذه المساعدات طلبتها الهند وبعضها الآخر بادرت بتقديمه بعض الدول منها دول مجاورة صغيرة مثل بنجلادش وبوتان اللتين قدمتا عشرة آلاف قارورة من عقاقير الحقن المضادة للفيروسات. والرحلات تهبط دون توقف محملة بالمساعدات قادمة من دول مختلفة، من بينها روسيا والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والكويت وفرنسا. كما وصلت شحنات من الإمدادات الطبية الحيوية قادمة من المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين إلى المواني الهندية. فقد أصبح الدعم الدولي حيويا للهند الآن حيث يجد الناس صعوبة في الحصول على الأوكسجين والعقاقير في مدن مثل دلهي. 
ومازال العمل يجري على قدم وساق في أكبر مهمة إنقاذ دولية شهدتها الهند في السنوات القليلة الماضية، مع استمرار ترنح البلاد من تأثير الموجة الثانية التي ضغطت بشدة على بنيتها التحتية في قطاع الصحة. فمن المطارات والمواني البحرية، يتم إرسال الأوكسجين والأجهزة المتعلقة بالأوكسجين وغيرها من الأجهزة إلى مناطق البلاد الأكثر تضرراً من الموجة الثانية. وأظهرت الموجة الثانية تلك أن الحظوظ تتغير سريعاً للغاية ويتعين على الدول مساعدة بعضها البعض. 

واستفادت الهند العام الماضي من تميزها في الصناعات الدوائية، وقدمت المساعدة لعشرات الدول. ونفذت برنامجاً طموحاً لتصدير اللقاحات لتنافس الصين في دبلوماسية اللقاحات ضمن مسعى لتعزيز نفوذها الدولي. وإلى جانب التبرعات وتصدير اللقاحات، أرسلت الهند عقاقير إلى دول مختلفة منها إرسال عقار هيدروكلوركين إلى عدد من الدول. 
والهند ثالث منتج للعقاقير في العالم وتوفر ما يقرب من 60% من الطلب العالمي على اللقاحات. ومن الواضح أنه ما إن يتم السيطرة على الموجة الثانية وإعطاء اللقاحات لجانب كبير من السكان، ستصبح الهند في المقدمة وتعود إلى مكانتها من جديد. وروح الاتحاد العالمي هذه لم تتجل في صورة المساعدة التي تلقتها الهند فحسب بل في إعلان الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة تأييدها تطبيق إعفاء من كلفة براءة الاختراع على لقاحات كوفيد-19. وهذا القرار الأميركي خطوة مهمة بلا شك نحو العمل من أجل الصالح العام العالمي. فهذا القرار سيساعد الدول المنتجة للقاحات مثل الهند على الاستغناء عن شراء حقوق الملكية الفكرية مما يمهد الطريق إلى بدائل أرخص من اللقاح لدخول السوق وزيادة الإنتاج. وهذا هو المطلوب الآن إذا أراد العالم التخلص فعلياً من كوفيد-19، والبدء في التحرك نحو العودة إلى الأوضاع الطبيعية. 

 

* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي