مددت الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية في فبراير الماضي معاهدة «نيو ستارت» للحد من التسلح لمدة خمس سنوات، رغم الخلافات بين الجانبين والتي ما زالت تتفاعل حتى اليوم. وإن كانت الخلافات بين القطبين العالميين لم تتوقف منذ الحرب العالمية الثانية، مروراً بحقبة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية من جهة والمعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة من جهة ثانية، فإن منحنى العلاقة بين واشنطن وموسكو اليوم يتجه إلى حالة من التأزم وربما التدهور.
كثيراً ما دبَّ الخلاف بين واشنطن وموسكو في العديد من القضايا، غير أن العلاقات بدت في أسوأ حالاتها، بعدما نعت الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين بـ«القاتل». ومع تزايد التصريحات والإجراءات العدائية المتبادلة بين الطرفين، فإنه لن يكون آخرها موافقة الحكومة الروسية، قبل أسبوعين، على قائمة أسمتها قائمة الدول «غير الصديقة»، ضمت دولتين فقط هما الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية التشيك، باعتبار أنهما «دولتان ترتكبان أعمالاً غير ودية تجاه روسيا ومواطنيها والكيانات القانونية الروسية». وكانت الولايات المتحدة وروسيا قد انخرطتا في عملية متبادلة لطرد دبلوماسيي بعضهما البعض بسبب العقوبات الأميركية ضد الاتحاد الروسي، واتهامات القرصنة والتدخل في الانتخابات الأميركية. ومن جهتها، اتهمت جمهورية التشيك الكرملين بالوقوف وراء انفجار مستودع ذخيرة عام 2014. ولطالما تأججت الخلافات إزاء سجن روسيا للمعارض «أليكسي نافالني» الذي تعرض للتسميم، وكذلك الهجمات الإلكترونية المنسوبة للدولة الروسية ضد وكالات حكومية أميركية، وطريقة تعامل روسيا مع أوكرانيا المجاورة.
يعتبر كلا الطرفين أن خطواته تأتي في سياق الرد على خطوات عدائية يقوم بها الطرف الثاني. ويمكن تفسير التصعيد الأميركي الأخير تجاه روسيا بكون الرئيس بايدن يحاول تغيير الصورة المتساهلة تجاه روسيا التي سار عليها كلا الرئيسين الأميركيين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب، خاصة تجاه مسائل ضم القرم والأزمة السورية والتدخلات في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016 ومحاولة التأثير على انتخابات 2020.. في محاولة لإبداء درجة أكبر من الحزم تجاه روسيا. هذا، ويلاحظ العديد من المراقبين تركيز نظرة بايدن على «الخطر الروسي»، و«الخطر الصيني» أيضاً، وأثرهما على المصالح الأميركية، مع مساعي الرئيس الأميركي الجديد لاستعادة دور بلاده في العالم. 

ومن جانبها، لدى روسيا، دون أن ننسى الصين، طموحات عالمية على صعيد تحجيم التفوق الأميركي العالمي وتكريس نظام دولي متعدد الأقطاب، في ظل العلاقة المبنية على «البراغماتية الاستراتيجية» بين موسكو وبكين، المؤسسة على مجموعة من المصالح المشتركة، في مقدمتها مواجهة الولايات المتحدة.
وتطرح الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وروسيا تساؤلات عن مستقبل العلاقة بينهما في عهد الإدارة الأميركية الحالية. وفي هذا السياق، من غير المرجح حدوث تصعيد كبير بين البلدين، مع رهان على أن مستقبل العلاقات سيبقى يدور في الدائرة الحالية: الوصول إلى تفاهمات مشتركة في القضايا المتفق عليها، كما حدث في تمديد اتفاقية «نيو ستارت»، مع بقاء حالة التوتر في العلاقات دون توقع أي «تفاهم استراتيجي» بينهما.