لطالما كانت الهند والمملكة المتحدة تربطهما علاقة جيدة مع الرغبة في العمل عن كثب في مجالات مختلفة. لكن هذه العلاقة لم ترق إلى مستوى إمكاناتها، حتى مع استمرار الهند في إقامة علاقات مع الدول الغربية الأخرى. والآن، هناك محاولة متجددة لتعميق العلاقات، يغذيها جزئياً خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) للنظر إلى ما هو أبعد من أوروبا عندما يتعلق الأمر بمتابعة علاقتها الاقتصادية. كان من المقرر أن يزور رئيس الوزراء بوريس جونسون الهند الشهر الماضي، لكن موجة كوفيد الثانية التي شهدت معاناة الهند أدت إلى إلغاء زيارته. وفي وقت سابق أيضاً، كان من المفترض أن يزور جونسون الهند في يناير، ولكن تم إلغاء تلك الزيارة بسبب ارتفاع حالات كوفيد-19 في المملكة المتحدة في ذلك الوقت.

ومن ثم، أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي ونظيره البريطاني بوريس جونسون، عقب اجتماع افتراضي عُقد أوائل هذا الشهر، عن استثمارات للقطاع الخاص بقيمة 1.39 مليار دولار، وقررا أيضاً العمل من أجل اتفاقية تجارة حرة. وقد وُصِف ذلك بأنه حقبة جديدة في العلاقات الثنائية حتى في الوقت الذي تعيد فيه بريطانيا صياغة علاقاتها، خاصة مع الاقتصادات الناشئة بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي. كما تضع البلدان «خريطة طريق 2030»، والتي سترفع مستوى العلاقات الثنائية لتصبح «شراكة استراتيجية شاملة». علاوة على ذلك، ستشهد اتفاقية التجارة الحرة، قبل اكتمالها، إبرام اتفاقية تجارة مؤقتة لتحقيق مكاسب مبكرة. وتعهد البلدان أيضا بالالتزام بإزالة الحواجز التجارية أثناء العمل نحو اتفاقية التجارة الحرة، وكذلك تحديد «هدف طموح» يتمثل في مضاعفة التجارة بين الهند والمملكة المتحدة بحلول عام 2030.
من الواضح أن رؤية العلاقة تتمثل في التركيز على تعزيز العلاقات التجارية، حيث تتضمن خريطة الطريق ومدتها 10 سنوات أيضاً تنمية العلاقات في مجالات تتراوح من الدفاع والأمن إلى الرعاية الصحية. يبقى أن نرى كيف سيتفاوض البلدان على اتفاقيات التجارة الحرة التي من المعروف أنها تستغرق وقتاً طويلاً. لكن من الواضح أن البلدين لديهما فترة 10 سنوات في الاعتبار لمضاعفة تجارتهما الثنائية بحلول عام 2030، حتى أثناء النظر في إبرام صفقة تجارية مؤقتة بحلول منتصف عام 2022.
تتمتع الهند والمملكة المتحدة بعلاقات تاريخية، حيث تشعر الشركات الهندية بالارتياح تماماً لممارسة الأعمال التجارية في بريطانيا. لكن حجم التجارة بين البلدين لا يزال صغيراً حتى الآن. فقد بلغت قيمة تجارة السلع بين البلدين حوالي 15.45 مليار دولار في 2019-2020، مع ميل الميزان التجاري لصالح الهند. وخلال الفترة الممتدة من أبريل إلى أغسطس 2020، بلغت صادرات البضائع الهندية إلى المملكة المتحدة 2.33 مليار دولار والواردات 1.47 مليار، بإجمالي 3.80 مليار دولار. وفي علامة أخرى على مدى قرب البلدين وأيضاً استناداً إلى العلاقات الاقتصادية الحالية الواسعة النطاق، يوجد في الهند 850 شركة هندية في المملكة المتحدة وتوظف هذه الشركات أكثر من 116.000 موظف. كما تعد الهند ثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في بريطانيا.
ومع ذلك، فقد ناقش الزعيمان أيضاً جوانب أخرى للعلاقات، بما في ذلك اتفاقية بشأن الهجرة. وفقاً للاتفاق، ستوفر المملكة المتحدة فرص عمل لـ 3000 من المهنيين الهنود الشباب سنوياً، مقابل موافقة الهند على استعادة عدد من مواطنيها الذين يعيشون بشكل غير قانوني في المملكة المتحدة. ويهدف ذلك إلى معالجة الهجرة غير الشرعية، وهي منطقة توترات رئيسية بين البلدين، والتي كانت تزعج المملكة المتحدة منذ فترة طويلة. وكانت بريطانيا أيضاً من بين عشرات الدول التي تقدمت لمساعدة الهند لأنها كانت تواجه نقصاً في الأكسجين. وبعد القمة التي عُقدت بين الزعيمين، قالت الحكومة إنها ما زالت متفائلة بشأن النتيجة، واصفة إياها بأنها «أعادت تعريف العلاقة حقاً» بين البلدين.
ليس هناك شك في أن هناك المزيد من التركيز على العلاقة بعد أن رسم رؤساء الوزراء خريطة طريق، وحددوا اتجاه العلاقة. ومع ذلك، فإن التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة ليس بالسهولة التي رأيناها في الماضي. فاتفاقية التجارة الحرة لا تغطي السلع فحسب، بل تشمل أيضاً الخدمات والأعمال الرقمية والصناعات الصغيرة والمتوسطة. بينما يُنظر إلى البضائع على أنها الطريق السهل، كانت الخدمات دائماً تمثل مشكلة صعبة للمفاوضات. فالهند تحاول دون جدوى التفاوض على اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي منذ عدة سنوات. يُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه معقد لأنه يتعامل مع دول متعددة ذات أجندات مختلفة. ومن ثم، يبقى أن نرى مدى سرعة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة بين الهند والمملكة المتحدة.
ومع ذلك، فإن منطقة التقارب الرئيسية هي منطقة المحيط الهادئ الهندية، والتي تمت مناقشتها أيضاً بين الجانبين، حيث تتطلع بريطانيا بشكل متزايد إلى منطقة المحيط الهادئ الهندية لتعزيز مصالحها الاقتصادية في عالم ما بعد «بريكست». كما أنها تتطلع إلى الانضمام إلى الهند في دفع منطقة المحيط الهادئ الهندية الحرة والمفتوحة والمزدهرة. من الواضح أن العديد من مجالات التقارب قد بدأت في الظهور بين البلدين.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي