تعرضت العملية الديمقراطية في الولايات المتحدة الأميركية لاختبار قاس في أعقاب الانتخابات الرئاسية لعام 2020، حيث كشفت الضغوط التي مارسها الرئيس السابق دونالد ترامب لإلغاء النتائج في الولايات الرئيسية عن نقاط ضعف في النظام الانتخابي الأميركي، بما في ذلك العديد من الجوانب المهمة للتصويت والتي لا تحظى بحماية قانونية، ولكنها ترسخت على مر السنين من خلال قواعد السلوك الرسمي.
ولم تنته الاختبارات بعد، على الرغم من خسارة حملة ترامب للعديد من الدعاوى القضائية المتعلقة بالانتخابات، وعلى الرغم من تمرد 6 يناير في مبنى الكابيتول الأميركي، وتصديق الكونجرس النهائي على فوز الرئيس جو بايدن بالهيئة الانتخابية. وكمثال فإنه على مستوى ولاية أريزونا، وبالرغم من عدم وجود دليل على أن خسارة ترامب كانت احتيالية، فقد صوت 16 جمهورياً في مجلس الشيوخ بالولاية على أمر استدعاء بخصوص التصويت من مقاطعة ماريكوبا، لإجراء فحص تم انتقاده على نطاق واسع باعتباره حيلة حزبية. ويسعى أنصار ترامب الآن في جورجيا والولايات المتأرجحة الأخرى، إلى إجراء «مراجعات» على غرار ما حدث في ولاية أريزونا.
لكن هل يمكن تحصين الانتخابات في وجه مساعي الساخطين لتخريبها؟ وهل يمكن للتغييرات في النظام الانتخابي أن تستعيد الثقة المفقودة من الجانبين؟
من المحتمل أن تكون الثقة الكاملة في نتائج الانتخابات هدفاً مستحيلاً في البيئة السياسية الاستقطابية الحالية. لكن الخبراء يقولون إنه من الممكن إجراء انتخابات جديرة بالثقة، وهي تلك التي يتفق مراقبون محايدون على أنها حرة ونزيهة. ويقول «تشارلز ستيوارت الثالث»، أستاذ العلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن عمليات تدقيق الانتخابات يمكن أن تكون شبيهة بعمليات التدقيق المالي أو تفحّص الأنشطة التي تحدث بانتظام، وتتبع الإجراءات المهنية المعمول بها، وهي نفسها إلى حد كبير في جميع الولايات الخمسين. ويضيف: «إذا لم نكن في خضم الجدل الحزبي حول انتخابات 2020، مع حدوث أشياء مجنونة في ولاية أريزونا، فيمكننا إجراء مناقشة معقولة حول تحسين الأمور».
وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن الأميركيين لديهم مشاعر مختلطة بشأن الانتخابات. وهم، بشكل عام، غير واثقين من صدقيتها. قبل انتخابات عام 2020، قال 59% من الأميركيين إنهم لا يثقون في أن تكون النتيجة عادلة، وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة جالوب. لكن الثقة في انتخابات معينة يمكن أن تكون أعلى. فقد قال 65% من الأميركيين إنهم واثقون من نتيجة تصويت 2020، وفقاً لاستطلاع أجرته شركة «مورنينج كونسالت». ومع ذلك، هناك تفاوت كبير في المواقف بين أعضاء الحزبين السياسيين الكبيرين في الولايات المتحدة، حيث قال 92% من «الديمقراطيين» إن الانتخابات كانت حرة ونزيهة، بينما وافق 32% فقط من «الجمهوريين».
وعموماً، هناك عاملان رئيسيان فقط يؤثران على ثقة الناخبين في الانتخابات، بحسب ستيوارت، الأول هو ما إذا كان مرشحهم قد فاز أم لا، والثاني هو ما إذا كان عليهم أن ينتظروا شخصياً في طابور طويل للإدلاء بأصواتهم.
وفقاً للعديد من المشرعين «الجمهوريين» في الولايات، ممن يضغطون حالياً من أجل فرض قيود في قوانين التصويت في جميع أنحاء البلاد وتوضيحها، فإن أحد دوافعهم الأساسية هو جعل ناخبي الحزب الجمهوري يشعرون بمزيد من الأمان بشأن نتائج الانتخابات. والمفارقة هي أنه من غير المحتمل أن تؤثر مشاريع القوانين هذه على الثقة على الإطلاق.
وغرّد «مايكل ماكدونالد»، الأستاذ بجامعة فلوريدا والمتخصص في الانتخابات الأميركية، الشهر الماضي قائلاً: «لا يوجد دليل على أن تمرير قوانين جديدة سيؤثر على تصورات الناخبين لنزاهة الانتخابات».
وقد تمخض اجتماع مائدة مستديرة حول استعادة الثقة في العملية الانتخابية الأميركية، الشهر الماضي، عن مجموعة متنوعة من الحلول المتوسطة إلى طويلة الأجل لهذه المشكلة. واقترح «جاي أوريل تشارلز»، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة ديوك، أن تقوم الولايات المتحدة بإبعاد الكيانات الحزبية عن الانتخابات والاستعانة بخبراء غير حزبيين لإدارتها. وقال «نيد فول»، أستاذ قانون الانتخابات في جامعة ولاية أوهايو، إن الكونجرس قد يمرر قانوناً يطالب الفائزين في انتخابات الكونجرس بالحصول على أغلبية الأصوات في مقاطعاتهم، وليس مجرد أكثرية. وأضاف أن هذا يمكن أن يعزز المعتدلين في كلا الحزبين، ويجعل من الصعب على المتطرفين الوصول إلى السلطة.
وأكد «ريك هاسن»، أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، ايرفين، أن بإمكان الدولة أن تبدأ عملية طويلة الأمد لتعزيز نوع الوسطاء الذين يساعدون في قول الحقيقة والتحقق من الحقائق في السياسة، مثل الصحافة والقضاء وأحزاب المعارضة. وأضاف أن هناك حاجة ماسة إلى جهد متعدد التخصصات ومتعدد الأحزاب لوقف التضليل السياسي. وتنبع الجهود الرامية إلى تمرير قوانين لتنظيم التصويت الجديدة من النجاح الذي حققه السيد ترامب في انتقاد «الكذبة الكبيرة» القائلة بأن انتخابات 2020 قد سُرقت.
كما يمكن تعزيز الثقة في الانتخابات من خلال سن بعض الضمانات الأساسية ضد عيوب النظام الانتخابي، والتي تم الكشف عنها في النضالات التي أعقبت الانتخابات.
كان إحدى أكبر الثغرات هي احتمال تجاوز الهيئات التشريعية في الولايات المتأرجحة الرئيسية التصويت الشعبي في ولاياتها وتعيين ناخبي الهيئة الانتخابية بأنفسهم، كما يقول «ريتشارد بيلدس»، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة نيويورك والمؤلف المشارك لـ«قانون الديمقراطية: الهيكل القانوني للعملية السياسية»، والذي أضاف أن ترامب دعا المشرّعين في الولاية للقيام بذلك، وهو ما يلقي الضوء على بند لم يكن معروفاً في السابق في قانون الانتخابات الفيدرالي يُعرف باسم بند «الانتخابات الفاشلة».


*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»