يبدو أن جائحة «كوفيد-19» ستنتهي بشكل مفاجئ كما بدأت. ففي جميع أنحاء الولايات المتحدة، تقوم الولايات بإلغاء القيود المفروضة على النشاط التجاري ويستأنف الناسُ حياتَهم الطبيعية. طوال فترة الوباء، كان هناك دليل على أن العمل عن بعد قد زاد من إنتاجية بعض العمال والشركات. لذلك من الطبيعي أن نتساءل عما إذا كانت العودة الجماعية إلى المكتب ستؤدي إلى انخفاض الإنتاجية. أشك في ذلك، إذ من المرجح أن تكون الإنتاجية متقلّبة خلال العام المقبل، حيث تؤدي بعض جوانب الحياة بعد الجائحة إلى مكاسب، بينما تدفع جوانب أخرى في الاتجاه المعاكس. لكن بعد استقرار الاقتصاد في الوضع الطبيعي الجديد لما بعد الوباء هذا العام، فإن احتمالية التحسن على مدى السنوات العديدة القادمة مرتفعة.
لقد ارتفعت الإنتاجية لكل ساعة عمل في الربع الثاني من عام 2020. في الأوقات العادية، كان من الممكن أن يكون هذا خبراً رائعاً. لكن سبب الزيادة كان سلبياً: كان الوباء يسحق الاقتصاد، والشركات تسرِّح عمالها الأقل إنتاجية. كانت الزيادة الناتجة في الإنتاج لكل ساعة علامة على الضعف الاقتصادي وليس القوة.
توقّع شيئاً مشابهاً خلال الأشهر القليلة المقبلة، لكن في الاتجاه المعاكس. وفقاً لحساباتي، هناك حوالي 10.8 مليون وظيفة أقل في الاقتصاد مما لو لم يكن هناك جائحة. سيعود معظمها خلال العامين المقبلين. والعديد من الوظائف المفقودة هي في قطاعات منخفضة الإنتاجية، مثل البيع بالتجزئة والسفر. لذلك مع عودة العمال إلى هذه الوظائف، ستظهر مشكلة أخرى في الإحصاءات الاقتصادية: ستؤدي عملية التعافي في سوق العمل إلى ضغط في اتجاه الهبوط على الإنتاجية المقاسة. وسيكون التكيف مع الحياة بعد الجائحة عاملاً مؤقتاً آخر من شأنه أن يبطئ نمو الإنتاجية. حاولت الأسبوع الماضي العمل ليوم كامل في المكتب، لأول مرة منذ 13 مارس 2020. كانت تنقلاتي صعبة، ولم أكن واثقاً من حركة المرور، ولم أكن أعرف أين أوقف سيارتي. عندما وصلت إلى مكتبي، أدركت أنه لا يمكنني المشاركة بسهولة في اجتماعات «زوم» بسبب عدم وجود كاميرا رقمية، وأهدرت نصف ساعة لمعرفة ما يجب القيام به لتناول طعام الغداء.

وبطبيعة الحال، أنجزت عملاً أقل. من المؤكد أن إنتاجيتي وصلت إلى أدنى مستوياتها. سيواجه ملايين العمال مشكلات تعديل مماثلة، من شأنها أن تستغرق أسابيع أو شهوراً لحلها.
وعلى الرغم من أن معظم النقاش يركّز على الكيفية التي ساهم بها العمل عن بعد في زيادة الإنتاجية، فإن الوباء جعل العديد من العمال أقل إنتاجية، وليس أكثر. خلال الأشهر القليلة الماضية على وجه الخصوص، اشتكى الأشخاص من مدى صعوبة أداء وظائفهم عن بُعد نظراً لضرورة اتخاذ قرارات عمل رئيسية، والحاجة إلى تدريب وتثقيف الموظفين الجدد، وغياب التفاعلات العفوية مع الزملاء بشكل متزايد.
بمجرد أن يستقر الاقتصاد في الوضع الطبيعي الجديد لما بعد الوباء، أتوقع أن يكون نمو الإنتاجية أقوى من المعدل السنوي الفاتر الذي شهدته الولايات المتحدة خلال معظم العقد الماضي، والذي بلغ حوالي 1%. سيعتاد الموظفون على كيفية العمل من المكتب مرة أخرى، وسيتلاشى الملل الناجم عن إعادة التكيف مع الوضع الجديد. بعد 14 شهراً من العمل عن بُعد، يجب أن تعرف الشركات بشكل أفضل من أي وقت مضى كيفية تحقيق التوازن الصحيح بين مزايا وعيوب ثقافة العمل من أي مكان. قد يؤدي هذا إلى انتهاج أفضل السبل، حيث تصبح الشركات التي عانت بسبب قيود «كوفيد-19» قادرةً على إعادة الموظفين إلى المكتب، أما تلك التي تزدهر مع العمل عن بعد فستواصل هذه الممارسة.

ستستمر الشركات التي تواصل العمل عن بُعد في تقليص مساحة المكاتب وتوفير النفقات ذات الصلة. وسيسمح ذلك باستخدام هذه الموارد لأغراض أخرى، مثل تحويلها إلى مساكن خاصة في الأماكن التي تعاني من نقص المساكن، مما يؤدي إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية والإنتاجية.
وهناك سبب آخر لتوقع نمو قوي للإنتاجية بعد الوباء، هو أن الشركات غالباً ما تستخدم فترات الركود الاقتصادي لتغيير الطريقة التي تمارس بها أعمالها، بما في ذلك إعادة هيكلة القوى العاملة لديها لزيادة الإنتاج في الساعة. كانت الضغوط للقيام بذلك شديدة خلال العام الماضي.
من المحتمل أن تظل بعض جوانب الحياة الوبائية المعزِزة للإنتاجية قائمةً، على الأقل إلى حد ما. لن تتقلص الحصة السوقية لشركات التجارة الإلكترونية إلى مستويات ما قبل كوفيد. ونظراً لأن تجار التجزئة عبر الإنترنت يحتاجون إلى عدد أقل من العمال والمساحات، فإن هذا التحول سيعزز الإنتاج في الساعة في قطاع البيع بالتجزئة.
كما سيقل الاعتماد على رحلات العمل. بالنسبة لبعض الأشخاص، سيعود معدل السفر إلى طبيعته. لكن الكثيرين تعلّموا أن السبب الذي كان يجعلهم يسافرون كثيراً كان ببساطة عدم وجود بديل مقبول على نطاق واسع من قبل ثقافة الأعمال الأوسع. لقد باتت الاجتماعات الافتراضية ليست مقبولة الآن فحسب، بل إنها مفضلة في كثير من الحالات. ووفقاً لإحدى الدراسات الاستقصائية، تتوقع الشركات أن تتضاعف الاجتماعات الافتراضية ثلاث مرات مقارنةً بحصتها قبل الوباء. وهو ما سيوفر الوقتَ والمالَ، ويعزز الإنتاجية.


*مدير دراسات السياسة الاقتصادية بأكاديمية السياسة في معهد «أميركان انتربرايز
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»