لا بد من جلسة مراجعة لما حدث في غزة ومعرفة تفاصيل الأمور وتقييم الخسائر وسببها، وكما يبرز السياسيون الإسرائيليون إلى الواجهة تبرز حركة «حماس» وقادتها، فمَن ربح المعركة ومَن خسرها؟
ببساطة لنتكلم عن الخاسر الأكبر وهو الشعب الفلسطيني وتحديداً الغزاوي، حيث قتل العشرات ودمرت المدينة التي تعاني من وضع اقتصادي متردي، حيث 85% من السكان فقراء، وفرص العمل شبه معدومة، فيما يرتهن الشارع الغزاوي كاملاً لإرادة حركة «حماس»، والتي ترفض حتى تحقيق المصالحة الفلسطينية التي ستوحد الواقع الفلسطيني. أما الآن فالوضع متردي للغاية وغزة مدمَّرة وتحتاج إلى تدخل سريع، ومن المتوقع أن يعاد بناء القطاع كالعادة بأموال عربية لتعمر من جديد ما تسببت «حماس» في هدمه، وهذا حقيقي فـ«حماس» التي بادرت بالحرب على الرغم من علمها بحجم الرد الإسرائيلي، ولم تكترث أبداً، بل بادرت بالقصف لتخدم بذلك الأجندة الإسرائيلية. فبعد ما حدث في حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى، برز حراك فلسطيني سلمي وصل صداه إلى كل العالم، وتناقلت وسائل الإعلام ما حدث بشفافية، لكن «حماس» أرادت أن تبرز وتتصدر وتشعل الوضع الميداني.
لتعرف حقيقة «حماس» ابحث عن إيران ومصلحتها في هذا التصعيد، وحقيقة الأمر أن قادة «حماس» لم يخفوا الدور الإيراني الذي كان له المصلحة الكبرى في مثل هذه الحروب، فطهران لا تحارب بشكل مباشر بل عن طريق الوكلاء في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وبكل تأكيد في غزة، حيث قالها صراحة إسماعيل هنية عندما شكر إيران التي مدَّته بالمال والسلاح، وأيضاً قالها خالد مشعل الذي شكر إيران، وأكد أن مصدر السلاح طهران التي تدعم «حماس»، وهذا ليس من أجل القدس، فلم تطلق الأخيرة رصاصة واحدة تجاه إسرائيل، لكنها تريد الضغط على القوى العالمية وتحديداً الولايات المتحدة، من خلال تلويحها بأوراق الحرب والسلم في الشرق الأوسط، والتأكيد أنها تمسك بالأوراق جميعها، وأن التفاوض معها هو الذي سيمكن تلك القوى من تحقيق غاياتها، وهذا ما حدث في الحرب الأخيرة، فبينما الصواريخ تطلق من الجانبين كانت طهران تفاوض في جنيف لتضع ورقة أخرى ضاغطة لتحقيق مكاسب إضافية. 
تذكرنا حرب غزة بما حدث عام 2006 في لبنان، عندما بادر «حزب الله» بخطف جنديين إسرائيليين، تلت ذلك حملة عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق وما عرف بحرب تموز التي كبدت لبنان خسائر ضخمة بدون مبرر حقيقي سوى شعارات رنانة. لكن اللافت وقتها، وبعد نهاية الحرب، هو تصريحات أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله، الذي قال إنه لو علم حجم الرد الإسرائيلي لما بادر بالحرب. وقد أسست تلك الحرب لهدنة طويلة مع إسرائيل وليوجه «حزب الله» سلاحه نحو الداخل. وهذا بالضبط ما يدرَس حالياً، وهو هدنة طويلة بين «حماس» وإسرائيل. كل ذلك يؤكد أن ما حدث مجرد تنفيذ حمساوي بإشارة إيرانية تهدف لتحقيق مصالح طهران في المقام الأول.
الحل الحقيقي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس بالتصعيد والحروب، وإنما بالعمل على اتفاقية سلام شاملة. وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال زيارة لأخيه الملك عبد الله الثاني عاهل المملكة الأردنية، فإن «دولة الإمارات تدعم أي خطوة في اتجاه السلام من منطلق نهجها الداعم للسلام والتعايش، وإيمانها بأن السلام ضمانة المستقبل الأفضل للمنطقة وشعوبها». فهذا هو الحل الحقيقي وهذا نهج الدول المحبة للسلام والمحبة للشعب الفلسطيني، التي تبحث عن حلول حقيقية للصراع وليس عن المكاسب فقط.

*كاتب إماراتي