تمضي الولايات المتحدة الأميركية بشكل حثيث نحو الانسحاب العسكري الكامل من أفغانستان بحلول الحادي عشر من شهر سبتمبر القادم، أي بعد عقدين من التدخل العسكري هناك للقضاء على تنظيم «القاعدة» الإرهابي، وإزاحة حركة «طالبان» من سدة الحكم في كابول. وبالرغم من نجاح واشنطن في تحقيق الهدف الأول إلا أن الادعاء بنجاح الهدف الثاني تشوبه شكوك كبيرة. والأمر الجلي هو تمكن واشنطن من إرساء قواعد نظام ديمقراطي في أفغانستان أفرز إقرار الدستور وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية منذ عام 2004. ولكن واقع الحال خلال الأعوام القليلة الماضية يؤكد عودة نفوذ حركة «طالبان» بقوة من خلال سيطرتها الفعلية على ما يقارب نصف مساحة البلاد بجانب مشاركتها في مفاوضات مع الحكومة الأفغانية وواشنطن بهدف انسحاب الأخيرة عسكرياً من أفغانستان وضمان إجراء حوار داخلي بين الحركة والحكومة حول مستقبل البلاد.
لم يتحقق الهدف الثاني الذي أعلنته أميركا عام 2001 ما يلقي بظلاله على مستقبل أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي عسكرياً من هناك قبل نهاية العام الحالي، وخاصة مع تأكيد الرئيس الأميركي «جو بايدن» على الخروج من هناك بصرف النظر عن تحقيق أي تقدم في مشاركة «طالبان» في الحوار الوطني، أو إيقاف الهجمات العسكرية للحركة ضد القوات الحكومية.
وبالتالي فإن الباب مفتوح على مصراعيه أمام كافة السيناريوهات المستقبلية والتي يُخشى معها أن الخاسر الأكبر فيها هو الشعب الأفغاني. وأول تلك السيناريوهات وأكثرها تفاؤلاً يركز على استمرار الحوار الوطني الداخلي بين الحكومة الشرعية في كابول وبين حركة «طالبان» على مستقبل الحكم هناك. ومن الممكن أن يُفرز هذا السيناريو اتفاقاً سياسياً على نظام الحكم المستقبلي في أفغانستان، وهل ستتولى قيادات من حركة «طالبان» رئاسة الوزراء على سبيل المثال أو بعض الوزارات السيادية أو رئاسة الدولة. أما السيناريو الثاني، فيركز على استمرار الشقاق السياسي بين الحكومة الشرعية وحركة «طالبان» مما يعني استمرار الهجمات العسكرية للحركة على القوات الحكومية الأفغانية في الأقاليم التي ما زالت تحت سيطرة كابول وبالتالي نجاح «طالبان» في أمرين رئيسين. الأول زعزعة نظام الحكم الشرعي وتقويض ثقة الشعب الأفغاني في قادته بسبب افتقادهم الأمن والأمان، والثاني إمكانية نجاح «طالبان» في السيطرة على مزيد من الأراضي الأفغانية وزحفها نحو العاصمة «كابول». 

أما السيناريو الثالث فيتمحور حول إعلان «طالبان» انفصال الأقاليم التي تسيطر عليها وإعلان الحكم الذاتي فيها وبالتالي استمرار تقويض السلطة الشرعية على كامل التراب الأفغاني. ويتضمن السيناريو الرابع استغلال تنظيم «القاعدة» حالة الفراغ التي ستحدث في أفغانستان نتيجة الانسحاب العسكري الأميركي من هناك في ظل النزاع العسكري بين حركة «طالبان» والحكومة في كابول، لتنقض عناصر التنظيم على بعض أجزاء البلاد لمحاولة السيطرة عليها أو يقوم التنظيم بإحياء التقارب والتحالف القديم بينه وبين حركة «طالبان» ليتخذ من مناطق نفوذ الأخيرة ملاذاً له. أما السيناريو الخامس والأكثر قتامة هو استغلال روسيا للأوضاع الفوضوية في أفغانستان ونشر نفوذها هناك سواء عن طريق التحالفات السياسية أو احتلال أجزاء من أفغانستان أسوة بما فعلته موسكو في شبه جزيرة القرم في أوكرانيا.
والمحصلة النهائية لتلك السيناريوهات هي استمرار معاناة الشعب الأفغاني الذي دخلت جيوش ثلاثة من القوى العظمى لأراضيه في العصر الحديث وهي بريطانيا في الفترة من 1839 إلى 1842 ثم «الاتحاد السوفييتي» سابقاً من 1979 إلى 1989، ثم الولايات المتحدةالأميركية من 2001 إلى 2021 وجميعها غادرت من دون تحقيق نتائج ملموسة للشعب الأفغاني. 

* باحث إماراتي