أربعون عاماً مضت على تأسيس مجلس التعاون الخليجي، هذا الكيان الوحدوي الذي يرتكز على إرث مهم من الإنجازات، وتلتقي دوله في كثير من القواسم المشتركة كالتاريخ والقرب الجغرافي والعادات والتقاليد. وأصبحت دول الخليج العربية بفضل تعاضدها وتعاونها اليوم مثالاً ونموذجاً يُحتذى في التنمية الشاملة، وتتطلع قياداتها إلى مزيد من الإنجازات لغد أفضل يعزّز مكانة هذا المجلس عربياً وإقليمياً ودولياً. ولأن دول الخليج العربية تمثل كياناً مترابطاً، ومجتمعاً متجانساً، فقد جاء هذا المجلس ليكلل ذلك الترابط والتجانس، معتمداً في خطط ومسارات تنميته على موقعه الجغرافي، وعلى الثروات الباطنية والبشرية التي تتوافر في دوله.
تحل ذكرى تأسيس مجلس التعاون الخليجي وتعيد إلى الذهن معها دور الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حين ترأس أول قمة للمجلس في أبوظبي 25 مايو من عام 1981.
وفي ديسمبر 2004 تابع من بعده مسيرة تعزيز العمل الخليجي المشترك صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الذي أكد في خطابه الأول حرصه على مواصلة العمل مع إخوانه في المجلس لاستكمال التكامل والتعاون الاقتصادي والأمني والاجتماعي والثقافي.
وبالرغم من أن خلافاً طرأ بين أعضاء المجلس، إلا أن صفحة ذلك الخلاف طُويت تماماً بحكمةٍ القادة خلال القمة الخليجية الـ41 التي عُقدت في محافظة «العلا» السعودية في يناير الماضي. وهذا بالتأكيد يسهم في الحفاظ على اللحمة الخليجية، وفي استمرارية تطوير العمل الخليجي المشترك، واستكمال الخطط التنموية في المنطقة، وذلك بما يمكّن دول المجلس عموماً، والمواطن الخليجي على وجه الخصوص، من تحقيق الكثير من تطلعاته، فهو محور كل ما سبق. لكن ما ينبغي الانتباه إليه جيداً، هو أن مجلس التعاون ومع بداية عقده الخامس يواجه تحديات اقتصادية جديدة من حيث نوعيتها وتشعبها، ولذلك فإن التفكير الجماعي والتعاون المشترك مطلوب أكثر للتصدي لها، وللتعامل مع تداعياتها تنفيذاً لرؤية مؤسسي مجلس التعاون الخليجي، وحمايةً لمكتسبات دول المنطقة وشعوبها، وتحصيناً ودعماً لاقتصادها وأمنها، واستعداداً تاماً للتعامل مع التداعيات الاقتصادية تلك والتي تمثل اليوم تحدياً كبيراً يواجه العالم أجمع، وكل ذلك يحتم استكمال تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية الخليجية، وتسريع مشاريع التكامل الاقتصادي.
ولقد استكملت الإمارات من جانبها - قبل الموعد المقرر لتطبيقه عام 2025 - استكملت الدراسات والمشاريع حسب متطلبات التكامل الاقتصادي والمالي الخليجي، لتصل بذلك إلى مرحلة متقدمة في طريق تطبيق متطلبات السوق الخليجية المشتركة، وقدمت أيضاً مبادرات تبنّت فيها قرارات مثلى من شأنها أن تسهّل وتيسر العمل لتطبيق المتطلبات الأساسية للسوق الخليجية المشتركة، كما فتحت الباب واسعاً أمام الاستثمارات الخليجية، وقدمت لها الدعم المطلوب للاستفادة من مزايا السوق المحلي. لهذا كله، ليس غريباً أن يشهد النشاط الاقتصادي والاستثماري الخليجي في الإمارات نمواً واضحاً، خصوصاً إذا ما قرأنا بعناية قيمة الاستثمارات في شركات المساهمة العامة المسموح بتداول أسهمها لمواطني دول مجلس التعاون، والتي بلغت اليوم 41.453 مليار درهم، أي بزيادة قدرها 11%.
إن نجاح المجلس خلال العقود الماضية في تعزيز مرجعيته الإقليمية وتفاعله وحضوره الدولي جعل منه شريكاً موثوقاً في مختلف ميادين البناء والتنمية والتقدم وتعزيز الأمن والاستقرار، ثم إن القوى الإقليمية والدولية والمنظمات تدرك أهمية الدور الذي يقوم به المجلس، فهو رمانة الميزان في منطقة حيوية واستراتيجية، وهو- وإن كان هدفه تطوير التعاون بين دوله وتعميق وتوثيق الروابط والصلات القائمة بين شعوبه - إلا أنه من جهة أخرى يعتبر درعاً يضمن استقرار المنطقة وأمنها وسلامها.