لا يزال العالم يعيش انتفاضاته المتتالية، رغبةً في الوصول من محطة الانتظار المحفوفة بالمخاطر، إلى محطة «الطمأنينة»، ليتوقف عن الحديث عما هو يُمزج من مستجدات مع واقعه الغابر، منتقلاً نحو أفق جديد «واقعي»، في النظام العالمي الجديد، يجعل من «الجديد» نعتاً غير ملائم نسبةً لما حققه من تقدم وإنجازات يجر بعضها بعضاً، من خلال تكريس طاقاته الجسدية والفكرية التي لا تزال تنفض غبار «تعبها». 

إن الجدة في النظام المرتقب، لا يمكن ربطها في العالم وحسب، ذلك أنها أصبحت ملازمةً لكافة مناحي الحياة، مما يعني أنظمة وأساليب وأدوات ووسائل جديدة في كل دولة، وكل مدينة، بل وكل حي، وكل وحدة سكنية وعائلة، وبتخصيص ما يلزم ذلك من سعي مستمر، وبذل، وتجاوز تحديات دون توقف أو تراخٍ. والنقطة المحورية في إنجازه بشتى أشكاله ومستلزماته، تقع في الاعتماد على العنصر البشري الذي تحولت وتحورت كافة التغيرات من فوق جسده المادي الحيوي، والمعنوي المحسوس. 
والسؤال يفرض نفسه هنا: هل العنصر البشري الناجح في البقاء لحد الآن، مستعد للاستمرار في معترك المرحلة الجديدة؟ وما هي النواحي والمحددات التي لا يجوز تخطيها أو التجرؤ على كينونتها لدى المجتمعات الإنسانية؟ فمن المعلوم أن الإنسان «باني الحضارات»، و«دافع العمران»، و«مؤسس الدول»، يبقى خليطاً من نفس وروح وجسد! 
والداعي لهذا الطرح هو ما يشهده العالم من «أزمات أخلاقية»، يضاف إلى رصيدها «تصحر» من المشاعر والترابط الذي كان لسان حالهم يوماً ما، ليغدو اليوم منصباً نحو «سد الفجوات»، وتدارك ويلات «حرب كورونا»، التي نخرت في كل «بناء»، في ضوء تناسي، أو تهميش «غير مقصود» للبناء السيكولوجي للإنسان، الذي تأثر من المراحل المبكرة «الطفولة» المحرومة منذ أكثر من سنة من ممارسة أنشطتها الطبيعية من اللعب والتعليم، والحركة، و«الشباب» وما استجد عليها من ضغوطات «خانقة» للطاقة المكبوتة التي كانت تفرغ في قاعات النوادي، ومدارج الجامعات، والبناء التكويني لشخصياتهم المستقبلية خارج باب المنزل وفي إطار العلاقات الاجتماعية، ذلك أن «الكائن اجتماعي الطبع»، أصبح مرغماً على العيش بين «عزل»، و«حجر»، و«تباعد». 

وعليه، وفي ظل نموذج العالم المنتظر اليوم، هل سيستطيع الإنسان إنقاذ نفسه وأخيه من فوهة اليأس، والصدمة، والصعود به عالياً عن كم الخرافات الهائل، والإشاعات المتتالية، وحالة الخوف والهلع المربكة، التي انتشرت بسرعة توازي انتشار الفيروس التاجي؟ وهل «العقلنة»، و«المَنْطَقَة» الغلّابة في الوقت الحالي على معظم المجالات، ستساعد الإنسان في تجاوز مشاكله الدفينة، والمكبوتة، أم ستكون خطوة خاطئة في سبيل متأزم؟
لابد من الاعتراف بأن الإنسان اليوم بات معوزاً للتعرف على نفسه أكثر، ومواجهة كل ما يجول في خلجاتها، تماماً كضرورة تلقيه لقاحاً وقائياً ضد أي مرض، أو تناول العقاقير المساندة لدعم جهاز مناعته، وحفظ نفسه، وبخاصة أن تجاهل هذا «العماد السيكولوجي» للإنسان، يعني الابتعاد عن المرجو، وقد ورد في أحد الاجتماعات الافتراضية التي عقدتها الجامعة الأميركية بالقاهرة العام الماضي: «عندما يكون هناك أزمة بهذا الحجم، لا بد من تقييم علمي لها. يجب أن نسأل أنفسنا: ما هو أكثر شيء يؤثر علينا؟ ونحدد نوع المشاعر التي نشعر بها، هل هي خوف؟ ممَّ نخاف؟ لا بد أن يفهم الإنسان طبيعة ردة فعله وطبيعة الإحساس الذي يشعر به». ومن الضروري معرفة أن هناك أشياء لا يمكن للإنسان أن يتحكم بها، مثل توقع ما سيحدث غداً. «يمكنني فقط التحكم في أسلوبي أو انتقائي للأخبار التي أستمع إليها»، و«لا بد من إدراك أن ما يؤثر سلباً علينا هو محاولتنا فعل أشياء ليست في مقدرتنا».
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة.