انتشر هاشتاق عراقي «مَن قتلني»، في الوسائل الإلكترونيَّة، وفي ساحات وطرقات محافظات المغدورين مِن شباب التظاهرات، يعرف المستفسر سافك دمه، لكنه جواب لمَن ينفي وجود الشمس في رابعة النهار، فمنهم مَن ترك أسماء قاتليه لدى أسرته، ومَن سلمها للقوى الأمنية، والبداية كانت بهادي المهدي(8/9/2011)، عندما ظهر على شاشة التلفزيون وآثار الكدمات على وجهه، طالباً مِن المرجعيَّة الدِّينية حمايته، لأنه كان يُقلدها فقهياً، ولم يحمه أحد، قُتل والقاتل مازال متنفذاً. 
إنَّ استباحة دماء المتظاهرين غير منفصلة عن المعسكرات التي فتحتها لإيران الإسلامية لإعادة تأهيل الأسرى العراقيين، خلال حرب الثماني سنوات، وسمّوا بـ«التوابين». كانت التسميّة إسقاطاً مِن الماضي، تشبهاً بمَن خذلوا الإمام الحسُين بن علي(61 هجريَّة) بكربلاء، منهم مَن كان صادقاً كسليمان الخزاعي(قُتل: 65 هجريَّة)، ومَن أرادها سلماً للنفوذ كالمختار الثَّقفي(قُتل: 67 هجريَّة)، لهذا قيل إن «سليمان أثقل خلق الله على المختار»(المسعوديَّ، مروج الذَّهب). فالمختار نفسه قتل عبيد الله بن عليّ، شقيق أبي بكر، المقتول مع أخيه الحسين(الأصفهاني، مقاتل الطَّالبيين). 
أريد بهذا الإسقاط أن يكون العِراق معسكر قتلة الحُسين، وإيران معسكر أنصاره، وكان التلقين في تلك المعسكرات بالإخلاص للثورة الإيرانية، وللولي الفقيه، حتى ظهر تواب، يقول: «إذا الإمام قال حرب حرب...»، والآن يتزعم ميليشيا كبرى. 
بعد سنوات مِن غسل الأدمغة عاد التوابون إلى العراق، ليكونوا سلطة اللادولة، وبما أن ذلك التلقين كان مدافاً بدم الحُسين، ظل هؤلاء مخلصين لشعار «ذوبوا في الخميني...»، وقد تحول ثأر الحُسين إلى ثأر الولي الفقيه. لذا، بدأت تصفيات ضباط الجيش العراقي، وكل مَن عاد ولم يستمر بتوبته وولائه. حمل التوابون الرتب الرفيعة، أما أصحاب العمائم المُعتمرة بقمّ، فعادوا لفتح حوزات بالمدن والقرى العراقيَّة، لتغذية الميليشيات. 
كان القتل جارياً منذ اليوم الأول بعد (9أبريل 2003)، واستقبال (المجاهدين) وتدريبهم، تحت عنوان المقاومة، والارتباط بالحرس الثَّوري، حتى أخذ قادة الميليشيات يتسابقون إلى إثبات الولاء. 
بعد ظهور نائب سليماني في تسجيل مسرب قائلاً: «علينا بالرُّؤوس»، كان ذلك بعد خطاب المرشد الإيراني ضد التظاهرات التي انطلقت في أكتوبر 2019، حتى قُطع مِن هذه الرُّؤوس نحو ثمانمائة رأس، ثأراً مِن «إيران برا برا»، وحرق القنصليات الإيرانية. 
كانت الأحداث الأخيرة، التي بررت الميليشيات قوتها في 26 مايو2021، رداً على التحقيق مع متورط بدم المتظاهر إيهاب الوزني، الذي قدم أسماء من سيقتلونه، قُبيل اغتياله بأيام، وعلى إثرها غارت عربات الميليشيات وحاصرت المنطقة الخضراء. 
انخرط في الميليشيات، مع جيل التَّوابين، جيل ثقافة المنابر، بعد تطهير أنفسهم بالتَّوبة، فمَن يقتل متظاهراً معانداً للولاية تغفر ذنوبه. بمثل هذه الثَّقافة حُشد المقاتلون في الحروب الصَّليبيّة. يوم ناشد أوربان الثَّاني(ت: 1099م)، المجندين: «ولتكن غيرتكم في هذه الحملة تكفيراً عن السَّلب والسَّرقة والقتل، التي بها أثرتم غضب الرَّب»(ويندوفر، الموسوعة الشَّاميَّة في تاريخ الحروب الصَّليبيَّة). 
بهذا المعنى قدمت إيران العراقيين، وقبلوا بتسمَّية «توابين»! بخذلان ليس له سابقة، تستبيح ميليشياتهم الدِّماء. يطاردهم «مَن قتلني»؟! كطائر الهامة، الخارج مِن رأس القتيل. قال ذو الإصبع العدواني(قبل الإسلام): «يَا عَمْرو إِنَّ لَا تَدَعُ شَتمِي وَمَنَقَصِتِّي/ أَضرِبُكُ حتَّى تَقُولَ اَلْهَامَّةُ اِسْقُونِي»(النُّويري، نهاية الأرب)، وثأر المغدورين مِن التَّوابين، ليس بأسلوبهم الثَّأري، إنما الإنصاف بالقانون! 

* كاتب عراقي