في جلسة استماعٍ عُقدت الأسبوع الماضي بشأن موازنة وزارته للعام 2022، قال وزير الدفاع الأميركي «لويد أوستن» إن «الصين ليس لديها حلفاء، في حين أن للولايات المتحدة العديد من الحلفاء في جميع أنحاء العالم». والحقيقة إن مثل هذا التصريح، وغيره من التصريحات التي تخرج بين الحين والآخر من مؤسسات الحكم في أميركا في السنوات الأخيرة، تحتاج لأن توضع على «ميزان الواقع» لنتبين مدى صدقيتها وتأثيرها على علاقات أميركا بغيرها من دول العالم.
لن أتحدث في هذه المقالة عن إمكانية أو عدم إمكانية بناء الصين تحالفات ناجحة على مستوى العالم، ولن أعرّج كذلك عن مستقبل «الوجود الصيني» في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية خلال السنوات القليلة المقبلة لسبب بسيط جداً، وهو أن دول المنطقة لم تجر مع الصين حتى الآن «اختبار ثقة» يحدد نجاح أو عدم نجاح بناء التحالفات الشرق أوسطية - الصينية. نستثني من هذا الأمر بالطبع إيران التي وقعت قبل أشهر اتفاقية تعاون مع الصين تمتد لخمسة وعشرين عاماً، لكن نتائج هذا الحلف الجديد خاضعة لعاملين مهمين: قابلية النظام الإيراني نفسه لعقد تحالفات ناجحة، تقوم على مفهوم المصالح المشتركة! ومستقبل علاقات إيران مع دول المنطقة.
من الواضح أن أوستن، حينما أدلى بهذا التصريح، كان يقرأ في عقله تاريخ «تحالف كواد» الذي يضم أميركا وأستراليا والهند واليابان، بالإضافة بالطبع للتحالف الأميركي الكوري الجنوبي المتين. لكن هل فعلاً أميركا قوية بحلفائها في الوقت الحالي؟
من المهم أن يفهم الأميركيون أن قوة بلادهم الحالية ليست قائمة فقط على تفوقهم العسكري والاقتصادي والعلمي، وإنما لأنهم صنعوا أحلافاً جيدة خلال القرن العشرين، ابتداءً من أوروبا الغربية، ومروراً بالشرق الأوسط ودول الخليج وانتهاءً بتحالفاتهم الناجحة بعد الحرب العالمية الثانية ببعض دول الشرق الأقصى وقارة أوقيانوسيا. نجحت أميركا، وأصبحت القوة رقم واحد في العالم، لأنها اختارت الطريق المناسب للتحالف والوجهة الصحيحة له، بينما أخفق منافسوها كالاتحاد السوفيتي السابق مثلاً، في بناء التحالفات الناجحة في المكان والزمان الصحيحين.
فعلوا ذلك ونجحوا، لكنهم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، اعتقدوا أنهم لم يعودوا في حاجة لتحالفاتهم السابقة في أوروبا والشرق الأوسط، وبدأوا التركيز على تعزيز وجودهم في الشرق الأقصى لمحاصرة الصين، وضمان عدم بروزها كقطب جديد يسلبهم «حالة» الانفراد بقيادة العالم.
مشكلة الأميركيين (ومنهم السيد أوستن) أنهم يظنون أن تحالفاتهم خاضعة دائماً للحاجة الأميركية، ومتى ما انتهت هذه الحاجة تخلوا عنها ببساطة شديدة وتحرروا من التزاماتها كافة بأساليب باتت معروفة لصناع السياسة في منطقة الشرق الأوسط والعالم، بل إنهم أحياناً، ولضمان عدم وجود منافس لهم في أي منطقة في العالم، يعمدون إلى رعاية الصراعات الدائرة وإطالة أمدها، وصب الزيت على نارها إن احتاج الأمر.
ومشكلتهم الأكبر أنهم يظنون أن «ميزان تحالفاتهم» يميل دائماً لمصلحة الطرف الآخر، وبالتالي فهم لا يجدون غضاضة في أن يبتزوا حلفائهم بين الحين والآخر، لكنهم غفلوا (ومن بينهم السيد أوستن بالطبع) أن أميركا، وعوداً على بدء، قوية بحلفائها «ذوي المصالح المشتركة» وليس بموقعها الجغرافي البعيد جداً عن قلب العالم!! وغفلوا كذلك على أن الحلفاء السابقين، الذين صنعوا قوة أميركا، ليسوا جاهزين على الدوام للركوب في عربة المصلحة الأميركية متى ما استدعت الحاجة ذلك!