معظم الناس يعرفون الحقائق الأساسية عن العنف الذي اندلع في الآونة الأخيرة بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة. فقد أطلق الفلسطينيون، بدءا من يوم العاشر من مايو وعلى مدار 11 يوماً، 4300 صاروخ على إسرائيل مما أدى إلى مقتل 12 إسرائيليا. وأطلق الجيش الإسرائيلي مئات الصواريخ واسقط مئات القنابل على غزة مما أدى إلى مقتل 230 من العرب الفلسطينيين. والعنف بدأ حين احتج فلسطينيون في القدس على مداهمة للشرطة الإسرائيلية للحرم الشريف في شهر رمضان. كما حاول إسرائيليون طرد فلسطينيين من منازلهم في منطقة الشيخ جرّاح في مدينة القدس. وردت غوغاء الجناح اليميني الإسرائيلي على احتجاجات الفلسطينيين وتصاعدت المواجهات سريعا لتصبح اشتباكات بين الجانبين على امتداد إسرائيل ثم تحولت إلى تبادل لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي و«حماس». وفي يوم 21 مايو الماضي، بدأ تطبيق وقف لإطلاق النار تم التوصل إليه بوساطة مصرية. 
وبخلاف الاتفاق على هذه الحقائق، هناك تفاوت كبير في التعليقات والتفسيرات حول ما تعنيه هذه الجولة. فقد وافق الإسرائيليون على وقف إطلاق النار لأنهم صرحوا أن «أهدافهم تحققت». وزعموا أن القصف الإسرائيلي لغزة قتل كثيراً من زعماء «حماس»، التي تصفها بأنها منظمة إرهابية. وأعلنوا أيضاً انهم دمروا عدداً لا يحصى من الإنفاق التي جلبت «حماس» عبرها الصواريخ، لكن إسرائيل لم تذكر أسماء زعماء «حماس» الذين قالت إنها قتلتهم ولم تعلن أن كل الأنفاق تم تدميرها، ولذا ظل بمقدور «حماس» استخدام بعضها أثناء القصف. وزعمت «حماس» من جانبها أنها حققت نجاحاً لأن غزة صمدت أمام وابل القصف الإسرائيلي وأمام التفوق العسكري الهائل على مسلحي «حماس» ضعيفي العتاد. 
ووصفت إسرائيل مقتل مواطنين إسرائيليين أبرياء بسبب صواريخ «حماس» بأنه جريمة حرب. وردت «حماس» على هذا بأن ما ارتكبته إسرائيل يمثل جريمة حرب باستهدافها العمدي لمستشفيات غزة ومدارسها. ودافعت إسرائيل عن أعمالها زاعمة أنها لا تستخدم إلا الصواريخ دقيقة التصويب لتتفادى الأبرياء. وردت «حماس» بأن الصواريخ محلية الصنع هي الأداة الوحيدة التي يستطيع الفلسطينيون الدفاع بها عن أنفسهم. 

والخلاف بشأن معنى العنف الذي استمر عشرة أيام امتد أيضاً إلى الولايات المتحدة. فقد نزل آلاف الأميركيين العرب وآخرون إلى الشوارع احتجاجا على الاعتداء الإسرائيلي على غزة. وردت أعداد كبيرة من الأميركيين المؤيدين لإسرائيل باحتجاجات مضادة. ودافع زعماء يهود وآخرون عن إسرائيل. وأظهرت استطلاعات للرأي أن هناك غالبية أكثر تعاطفاً مع إسرائيل، كما هو الحال منذ سنوات، لكن التأييد للفلسطينيين يتزايد. وانتقد أعضاء من الكونجرس، من كلا الحزبين وخاصة من «الديمقراطيين»، إسرائيل بل دعا المرشح الرئاسي السابق بيرني ساندرز إلى منع المساعدات الأميركية عن إسرائيل. 

وحتى وسط اليهود الأميركيين، هناك وجهات نظر شديدة التباين حول ما حدث. فقد دافع جوناثان جرينبلات، المدير العام لـ«الرابطة الإسرائيلية لمناهضة تشويه السمعة»، عن إسرائيل لكن رسالته الأساسية ركزت على التحذير مما يرى أنه تصاعد في «معاداة السامية» في الولايات المتحدة. وردت ميشيل جولدبيرج، وهي كاتبة عمود يهودية بارزة للغاية في صحيفة «نيويورك تايمز»، على جرينبلات مباشرة في عمود نُشر يو 25 مايو. ونبهت جولدبيرج في مقالها إلى أنه من الخطأ الخلط بين اليهود ودولة إسرائيل بالقول إن أي انتقاد لإسرائيل هو هجوم على اليهود كجماعة. وذكرت أنه من النزاهة القول إن دولة إسرائيل تمارس التمييز ضد الفلسطينيين وتنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني منذ سنوات. وأضافت أن الشكوى من تصرفات الحكومة الإسرائيلية ليس انتقادا لليهود. 

وهناك أيضا خلاف في الولايات المتحدة وسط الأكاديميين الأميركيين بشأن ما يجب على الحكومة الأميركية القيام به في هذه الظروف. فقد كتب يوسف منير، وهو محلل سياسي أميركي عربي يتابع تطورات الوضع في الشرق الأوسط منذ سنوات، في الآونة الأخيرة يقول إن «حل الدولتين» الذي تدعمه الولايات المتحدة منذ سنوات انتهى أجله ويجب على واشنطن التخلي عنه. ويفضل «منير» حل الدولة الواحدة التي يوافق فيها العرب والإسرائيليون على العيش سوياً في دولة واحدة تضم إسرائيل والضفة الغربية. لكن منير يتجاهل حقيقة أن أكثر المبادئ قاعدية التي يتمسك بها كل الإسرائيليين تقريبا- وخاصة الجناح اليميني الذي يسيطر حاليا على الحكومة الإسرائيلية- هو أن إسرائيل يتعين أن تبقى دوماً دولة يهودية. ولهذا لن يقبلوا أبداً بحل تشكيل دولة واحدة الذي يقترحه منير. 

ويختلف باحثون وخبراء بارزون آخرون معه ويجادلون بأن «حل الدولتين»- دولة لليهود وأخرى للفلسطينيين- هو الصيغة الوحيدة الممكنة لحسم الصراع القائم بين الطرفين. ومازال «دان كيرتزر»؛ السفير الأميركي السابق في مصر وإسرائيل؛ و«آرون ديفيد ميلر»؛ مستشار سابق لعدد من الرؤساء الأميركيين فيما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط؛ يقدمان الحجج دفاعاً عن مقترح «حل الدولتين» في مقالات تنشر في عدد من الصحف. ويحثان أيضاً إدارة بايدن على مساعدة الفلسطينيين ومنع إسرائيل من ممارسة التمييز ضد الفلسطينيين في إسرائيل والضفة الغربية المحتلة. 

وصرح وزير الخارجية الأميركي، «أنتوني بلينكن»، أن الإدارة الأميركية مازالت تدعم «حل الدولتين». وصرح أن واشنطن تريد أن تتفاوض إسرائيل مع الفلسطينيين حتى يتم التوصل إلى تسوية. وأضاف بلينكن أن الولايات المتحدة تعتزم «إعادة بناء العلاقات مع الشعب الفلسطيني وقياداته ودعمه بعد سنوات من الإهمال»، في انتقادات ضمنية لإدارة ترامب. لكن حين اندلعت المواجهة العنيفة الأحدث تلك بين إسرائيل و«حماس» ظلت إدارة بايدن غير مكترثة كثيرا في بداية الأمر، وصرحت في الأساس أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها. ومع استمرار العنف، دعا بايدن إلى وقف لإطلاق النار لكنه لم يكن مشاركا مباشرا في محاولات الوساطة. 
ولا تستطيع الإدارة الأميركية في الأساس التوسط في مفاوضات بين الطرفين لأنها لا تتعامل مباشرة مع «حماس» التي تصنفها كمنظمة إرهابية. لكن بايدن يريد الآن أن يبذل المجتمع الدولي كل ما في وسعه لمساعدة حماس على إعادة الإعمار بعد الدمار الذي ألحقته إسرائيل بالقطاع. وتردد الرئيس بايدن مع بداية هذه الأزمة في التدخل في هذا الصراع لأن لديه أولوياته أخرى أكثر أهمية، لكن من المرجح الآن، على ما يبدو، أنه يتعين عليه أن يتدخل على أي حال. لكن لم يتضح بالضبط بعد طريقة قيامه بهذا. 

*سفير أميركي سابق متخصص في شؤون الشرق الأوسط.