مات عبدالوهاب الديلمي عضو تنظيم «الإخوان المسلمين» في اليمن، الذي ارتبط اسمه بفتوى التكفير التي استند عليها نظام صنعاء في حرب صيف عام 1994. الفتوى التي استباحت دم الإنسان المعصوم جاءت في توظيف سياسي وزماني ما زالت ارتداداته ممتدة، على الرغم من عقود مضت وتحولات وقعت، غير أن واقع الفتوى وعمقها يعيدها ليس للحياة، وإن مات صاحبها فهي أكثر من مجرد فتوى عابرة، فهي التي مثلت رغبة سيد قطب في أفكاره التكفيرية، وجسدت لوقائع صنعت المكونات الوحشية من تنظيم «القاعدة» وحتى الذئاب المنفردة.

ما زالت الألفاظ الواردة في فتوى التكفير الصادرة في صيف 1994، كما هي متداولها حتى اليوم (عصابة الردة) (الملحدين) أكثر من مجرد مصطلحات ما زالت تعيش في وجدان اليمنيين الشماليين على اعتبار أن الفتوى لم تنقض حتى وإن استنكرها كبار علماء بلاد الحرمين آنذاك الشيخين عبدالعزيز بن باز وابن عثيمين، ووافقهما في الاستنكار الأزهر الشريف، غير أن ذلك الاستنكار لم يؤثر أو يغير من واقع الفتوى وتأثيرها، لم يتبدل حتى أن «الحوثيين» برغم الخلاف العقائدي والطائفي وجدوا فيها شيئاً من الذرائع، وهم يعاودون غزو عدن والجنوب في العام 2015، فهي فتوى توفر الحوافز الكاملة للقتلة ليمارسوا القتل حاملين معهم صكوك دخول الجنة.

من حق العالم أن يذهب إلى المستقبل، ومن حق عدن وأهل الجنوب العربي الخلاص من فتاوى التكفير التي حبستهم في وحدة دينية جعلتهم كفاراً في أعين الشماليين، هذه المعضلة تتطلب حلاً حقيقياً وليس حلاً ساخراً كالذي قدمه مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء الممتد من المبادرة الخليجية، والذي قدم عشر نقاط للقضية الجنوبية تكرس الفتوى التكفيرية وتثبت الوحدة القسرية. وفيما كانت المعالجات كالمغالطات، كانت الساحات الجنوبية تكتظ بالجماهير الرافضة لمخرجات الحوار اليمني، مما استدعى بعض شخصيات الشمال أن تستكمل المشهد الساخر بتقديمهم اعتذاراتٍ عن تلك الفتاوى، وما نتج عنها من الحروب.

تبدو هذه الحالة شكلاً غير مسبوق في الأزمات الدولية، فلم يعرف العالم حادثة مماثلة شهدت إصدار فتوى تكفيرية عامة كما حدث في اليمن. وأقرب ما يمكن هو ما قام به تنظيم «داعش في العراق وسوريا» بإصداره فتوى تكفيرية، أجازت له القتل والسبي في سنجار، ومع ذلك فإن تنظيم «داعش» لا يمتلك مشروعية قانونية يمكن معاملته عليه بغير ما قامت به الولايات المتحدة، ضمن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وهو ما لا يمكن تطبيقه في الجمهورية اليمنية بإطارها القانوني، الذي يعترف بمكون حزب «الاصلاح»، وهو ذراع تنظيم «الإخوان» في اليمن المصّنف في عدد من الدول على أنه كيان إرهابي محظور نشاطه، وهو ما يسقط أي مقاربة ممكنة يمكن استخدام التحالف الدولي لمواجهته في اليمن.
لذلك، فالمتاح هو أن تتقدم هيئة اسلامية بمراجعة الفتوى وتفنيدها وإصدار الأحكام الجنائية لمن شارك فيها من أفراد وتنظيمات وهيئات ومؤسسات وإنشاء محكمة جنايات دولية متخصصة تخضع كل الذين تورطوا في إصدار الفتوى واستفادوا منها سياسياً، أو بأي طريقة كانت، ليس من مجال غير التدخل لإنقاذ عدن والجنوبيين من تدوير فتوى الموت التي ستظل حاضرة إذا لم يتم مواجهتها بالنقد الشرعي مع رد المظالم لأهلها، الانطلاق من النص القرآني (ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب) يبدو مدخلاً منطقياً وعادلاً في قضية لم يعد من المقبول السكوت على بقاءها كجمرة متقدة تحت الرماد. والجمرة يمكن إطفاؤها بفعل التيار المتفاعل في المحور السعودي المصري الإماراتي الهادف للاعتدال ومكافحة الإرهاب ووأد التطرف والكراهية.


* كاتب يمني