ربما، إذا طلب المرء من ألف أميركي أن يقدموا صفات متعددة لواشنطن، فقد يحصل على قائمة أوصاف شيقة، وربما استرشادية نوعاً ما. وقد تتضمن القائمة صفات مثل «الوطنية» و«الاعتزاز»، لكنها قد تتضمن أيضاً صفات مثل «فاسدة» و«منفصلة». وواشنطن كعاصمة للولايات المتحدة، كانت على الدوام تجسيداً مصغراً للبلاد نفسها ورمزاً لكل أمجادها وتناقضاتها. لكن في عدد مجلة «كريستيان ساينس مونيتور» الصادر يوم 25 مايو الماضي، استحضرت قصة الغلاف التي كتبها «مايكل إس. هوبكنز»، والتقطت صورها «ميلاني ستيتسون فريمان»، صفة صحيحة دوماً، وربما لم تكن أقرب صلة بالعاصمة مما هي عليه الآن وهي: «مُرَكبة». 
فقبل عطلة الصيف، استكشف مايكل وميلاني واشنطن باعتبارها عالماً مصغراً لأميركا بعد خروجها من الجائحة. فهل سيعود الزوار إلى واحدة من أكبر مدن البلاد في عدد الوافدين إليها؟ على أية حال، فإنهم سيكتشفون في القصة أيضاً ما تعنيه زيارة واشنطن عام 2021، بعد عملية التمرد الفاشلة التي وضعت مقر الكونجرس والبيت الأبيض داخل سياجات أمنية، وبعد عام من الاضطرابات العنصرية التي دفعت كثيراً من الأميركيين نحو النظر إلى تاريخهم بشكل مختلف. 
وعلى سبيل المثال، فقد ضرب مجلس الإدارة التعليمية في سان فرانسيكو في الآونة الأخيرة مثالاً على تجلي هذه الطريقة المختلفة في النظر إلى التاريخ. ففي وقت مبكر من العام الجاري، صوّت المجلس بالموافقة على تغيير أسماء نحو ثلثي المدارس العامة، بما في ذلك مدارس تحمل أسماء رؤساء مثل لينكن وواشنطن وجيفرسون. فقد ذكر مجلس الإدارة التعليمية أن هذه الأسماء، وأسماء أخرى، أُطلقت على مدارس تخليداً لذكرى أشخاص قهروا النساء والأميركيين السود وسكان البلاد الأصليين أو جماعات مهمشة أخرى. صحيح أن الخطة لم تنفذ بعد، لكنها تكشف عن قضية مثارة على امتداد العقود والقرون، وهي كيف تحاسب أميركا المظالم الماضية؟ 
وليس من المبالغة كثيراً القول بأننا، تاريخياً، تجاهلنا وأخفينا جوانب كثيرة من التاريخ الأميركي، واحتفلنا بالخير الذي فعلته هذه الشخصيات، وتجاهلنا الضرر الذي ارتكبته في حق جماعات معينة، أو قبلناه كجزء من عصر مختلف. لكن بالنسية لعدد كبير من الأميركيين، وعلى نحو متزايد، لم يعد هذا كافياً. فما الذي تعنيه هذه النصب التذكارية في واشنطن؟ 
من الشيق أن التغيير يجري نقشه بالفعل على الأحجار نفسها. والمثال الأكثر وضوحاً على هذا تجسده إقامة نُصُب تذكاري لمارتن لوثر كونج عام 2011. لكن حتى النصب التذكارية قبل هذا، مثل نصب حربي فيتنام وكوريا، تعبّر عن التدقيق في الفروق والتأمل أكثر مما تعبّر عن الانتصار. والسؤال الذي يطرحه مايكل هو: هل بوسعنا النظر إلى تاريخ البلاد كله، ونصب واشنطن من ضمنه، بالدرجة نفسها من التركيب؟ إنه سؤال مطروح بإلحاح على أميركا. ففي الوقت الذي تصارع فيه الولايات المتحدة قبح الماضي المستمر حالياً، فما المسافة بين التجاهل والرفض؟ والزوار، من كل الخلفيات، الذين أجرى مايكل معهم مقابلات قدّموا إجابة واحدة وهي أن النصب تذكرنا بالأمور المهمة. 
لقد كان هناك الخبيث والطيب. وفي وسط هذا التركيب، صمد شيء أكبر من هذا، سواء كان هذا الشيء هو أمل الحرية أو أمل المساواة أو أمل السلام. ونُصب واشنطن، في أسمى معانيها، تعتبر تجسيداً لهذه الآمال. والقدرة على فصل هذه الآمال عن ماض معقد هو ما تعنيه زيارة واشنطن في عام 2021. 

 

*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»