«كل فكر متطرف يريد أن ينتشر يستهدف المملكة العربية السعودية كنقطة بداية».. هكذا لخّص ولي العهد السعودي الوضع الخاص والحسّاس لبلاده في المقابلة التي أجراها مع الإعلامي عبدالله المديفر بمناسبة الذكرى الخامسة لإطلاق «رؤية المملكة 2030». وقال الأمير محمد بن سلمان: إنّ المملكة كانت هدفاً رئيسياً للمشاريع المتطرفة والإرهابية حول العالم، ذلك أنّ العقل المتطرف يعتقد أنه إذا ما نجح في إقامة مشروعه في البلاد التي يتوافد عليها الحجّاج والمعتمرون، وتضم قِبلة المسلمين التي يتوجهون إليها خمس مرات في اليوم، فإنّ ذلك المشروع سوف ينتشر في أنحاء العالم تلقائياً.
وجاء كلام ولي العهد السعودي ردّاً على سؤال وُجّه إليه في المقابلة حول تحييد الخطاب المتطرف، وهي الاستراتيجية التي أعلن عنها سنة 2017، حين بشّر بعودة المنطقة إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب، كما كانت عليه قبل انتشار الصحوة فيها سنة 1979، وقال يومها: لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم.
الرؤية السعودية الجديدة لمسألة التطرف لا تركّز على التعامل الأمني مع التطرف، أي بعد أن يستحيل توتراً ثم نشاطاً على الأرض، وإنما تتركز هذه الرؤية حول مواجهة الفكر المتطرف نفسه، ذلك أنه مهما اختلفت الدروب التي سلكها الأشخاص حتى أصبحوا متطرفين، مثل الفقر والإحباط والإقصاء والبطالة والتهميش وغيرها، فإنّ العامل الضروري هو الفكر الديني المتطرف. 
إنّها رؤية لا تنشغل بإدانة مَن ينشط في تطبيق ما يُدرّس في المدارس، أو يتلقف ما يُردّد على المنابر، أو يحتجّ بما تسُطر فيه المؤلفات.. بقدر ما هي تركيز على ما يُدرّس، وما يُردّد، وما يُسطّر.. فمن هنا تبدأ الحكاية. ورغم أنّ هذا العمل الفكري ضخمٌ وشاق، فإنّ نتائجه دائمة، فأنت بهذا تقلع نبتة التطرف من جذورها، على عكس التعامل مع التطرف إذا انحصرت المعالجة في الشق الأمني والعسكري، كلما قطعت فرعاً في نبتة التطرف ظهر فرع آخر. 
هذا الهدف الكبير الذي يتمثل في الحيلولة دون مرحلة التنظير، فإذا لم يكن ثمة تنظير، فلن يكون ثمة تفجير، ذلك أنّ الإرهابي قبل أن يبدأ في العمل يكون قد اقتنع بأنّ العنف وسيلة مشروعة لفرض أفكاره، ويكون لديه المبرّر الديني لاستهداف ضحاياه.
في عام 2014 نشر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مقالاً حول كيفية التغلب على التنظيمات الإرهابية عبر ثلاثة محاور، هي: مواجهة الفكر الخبيث بفكر مستنير، والحكومات القوية التي تقدم خدمات حقيقية لشعوبها، وتحقيق التنمية الشاملة. وقال سموه عن المحور الأول: «ولعلّ المملكة، بمفكريها وعلمائها وما تمثله من مكانة روحية وفكرية لدى المسلمين، هي الأقدر والأجدر والأفضل لقيادة هذا التغيير الفكري».
إنّ هذه الرؤية تبعث على التفاؤل حقاً بمرحلة الإسلام المستنير، لا على مستوى المملكة العربية السعودية فحسب، وإنما كذلك على مستوى المنطقة بأسرها، بل والعالم كله، فما يحدث في الشأن الديني في المملكة لا يبقى فيها، وتأثيرها دينياً على محيطها أكبر من تأثير محيطها عليها.


*كاتب إماراتي