النوم كان غاية صعبة المنال عادة للاجئة السورية «صبرية»، لكن هذا النوم أصبح مستحيلاً تقريبا ًالآن. فاحتمال أن ترسلها الحكومة الدنماركية إلى سوريا يقض مضجعها. وإذا أخفق مسعى الطعن في إلغاء تصريح إقامتها، ستواجه اللاجئة السورية خيار العودة «طوعياً» إلى بلادها التي فرت منها، أو خيار الإقامة في مركز ترحيل. وذكرت صبرية أن النظام السوري جعلها أرملة ويتم أطفالها ودك منازل عائلتها بالقنابل. ولم يعد لها أحد تعود إليه في سوريا فكل أقاربها تفرق شملهم ويعيش كل واحد منهم مأساته الخاصة. وأكدت أنها لن تعود إلى سوريا بحال من الأحوال. 
الدنمارك رأت أنه من الآمن أن يعود السوريون إلى دمشق. وتلغي الدانمارك أو ترفض سريعاً تمديد تصاريح الإقامة بناء على هذا الأساس. وهذا التحرك أثار عاصفة من الانتقادات للدولة التي تفتخر بأنها أول موقع على اتفاقية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 1951. وفي قلب القضية، هناك قلق دانماركي واسع النطاق من أن يهدد المهاجرون واللاجئون التماسك الاجتماعي للبلاد الذي يعتقدون كثيرون من الدانماركيين أنه يعتمد على اللغة والإرث الحضاري المشترك. ومسعى وقف الهجرة- ومن ضمنها طلبات اللجوء- يحظى بشعبية على امتداد الطيف السياسي الدانماركي رغم التأثير القاتل المحتمل على اللاجئين السوريين. 

وأكدت كارين نيلسن بريدال، أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة البورج الدانماركية، أن الرسالة واضحة للاجئين الموجودين في الدانمارك والذين لم يصلوا بعد ومفادها «لا تأتوا إلى الدانمارك». وأشار خبراء في السياسة أن قرار الحكومة يعكس مسعى طويل الأمد لجعل الدانمارك أقل جاذبية لطالبي اللجوء. فقد تكاثرت إجراءات مثيرة للجدل، مثل تجريد الوافدين الجدد من مجوهراتهم وتفريق شمل الأزواج الشباب، بعد تدفق المهاجرين إلى أوروبا بين عامي 2015 و2016. وهناك مخاوف من أن يصبح الأجانب عبئاً على نظام الرعاية الاجتماعية الدانماركي، ويضر بالتماسك الاجتماعي. وهذه المخاوف قائمة قبل عقود، لكنها تقسم البلاد الآن على أساس حزبي. وأعلنت الحكومة الدانماركية أنها مقتنعة أنه من الآمن الآن أن يعود السوريون إلى منطقة دمشق. 

وذكر ماتياس تيسفاي، وزير الهجرة والاندماج الدانماركي، في بيان أن هناك تحسناً في الوضع الأمني العام في دمشق وحولها. ويصر «تسفاي»، وهو ابن لاجئ إثيوبي، أن اللاجئين يجب أن يعودوا إلى ديارهم لبناء حياتهم هناك في أقرب وقت ممكن. ورفض خبراء في الشأن السوري، ومن بينهم غالبية كبيرة ممن استشارتهم السلطات الدانماركية فكرة أن دمشق والمناطق المحيطة بها تعتبر آمنة. وأودى الصراع السوري، بعد مرور أكثر من عشر سنوات، بحياة مليون شخص.

وأشارت ليزا بلينكنبيرج، المستشارة البارزة في منظمة العفو الدولية، إلى أن السوريين إذا عادوا إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة سيخضعون إلى استجوابات، لكن بإعلان أن دمشق آمنة، غيّرت الدنمارك الأساس الذي يحتج به السوريون.
ويحتمل تفريق شمل الأسر بسبب تلقي أفراد الأسرة الواحدة مستويات مختلفة من الحماية أثناء سعيهم للحصول على حق اللجوء في الدانمارك. فقد حصل نجل «صبرية» الأكبر على حق اللجوء السياسي في الدانمارك بعد أن خاض رحلة الموت عبر البحر المتوسط، بينما لم يحصل شقيقه الأصغر على هذا المكانه إلا بعد بلوغه 18 عاماً. لكن الأم «صبرية» والشقيقتين الصغريان تم رفض تصاريحهما قبل بضعة أسابيع. وتخشى الأسرة اعتقال «صبرية» بمجرد عودتها إلى سوريا. والابنان تهربا من الخدمة العسكرية. والشقيقتان يتحدثان الدانماركية بطلاقة ولديهما أصدقاء دانماركيون، ولا يعرفان كيفية كتابة اللغة العربية. ولذا عبر باقي أفراد الأسرة عن القلق من مدى قدرة الشقيقتين على التكيف في سوريا، لأن الدانمارك أصبحت كل ما تعرفانه. 
وتستهدف رئيسة الوزراء الدانماركية، «ميته فريدريكسن»، حالياً عدم قبول أي طالب لجوء. وتحقيق هذا ليس بعيداً. فلم تقبل البلاد إلا 1515 طلب لجوء لفحصها، في عام 2020، انخفاضاً من 3500 طلب عام 2017. ولم توافق الدانمارك إلا على 1% من الطلبات التي فحصتها عام 2020، مقابل 11% في السويد التي فحصت 13 ألف طلب. وقبلت ألمانيا على 88% من طلبات اللجوء التي عالجتها، وبلغت 100 ألف طلب في العام نفسه. 


وحتى الآن رُفض 400 قضية لسوريين من بينهم قُصر من سلطات الهجرة الدنمركية، لكن تحت تأثير الانتقادات من الداخل والخارج استبعدت الحكومة عمليات العودة القسرية. ورفض القضايا لا يتمخض عن أي طرد على الفور لسبب قانوني بسيط، وهو أن السوريين لا يمكنهم العودة قسرًا مادامت العلاقات الدبلوماسية بين كوبنهاجن ودمشق مقطوعة. وهذا يحير تشارلوت سلينت، رئيس مجلس اللاجئين الدنمركي، فهي لا تجد مغزى «من نقل الناس من الحياة التي حاولوا بناءها في الدنمرك، ووضعهم في موقف الانتظار دون موعد نهاية بعد فرار من صراع مروع في ديارهم». 

ومنذ عام 2019، رحل 250 سورياً مقيماً في الدنمارك طوعاً إلى بلادهم وقبلوا عرض الحكومة المالي السخي البالغ 28400 دولار، وفقاً لوزارة الهجرة والاندماج. لكن بعض الأشخاص، مثل نيفين ابنة خديجة رحال، نجحوا في مسعى الاستئناف ضد إلغاء تصريح إقامتهم. وتأمل الأم، خديجة، أن تقتفي هي وزوجها أثر الابنة. 

*صحفية متخصصة في شؤؤن الشرق الأوسط.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»