يُعتقد أن «ليون تروتسكي» قال ذات مرة إنه «قد لا تكون مهتماً بالحرب لكن الحرب مهتمة بك». وبالنسبة للرئيس جو بايدن يمكنني القول اليوم: «قد لا تكون مهتماً بصنع السلام في الشرق الأوسط، لكن صنع السلام في الشرق الأوسط مهتم بك». 
والسبب أن الأطراف الثلاثة الرئيسية - إسرائيل، «حماس»، السلطة الفلسطينية - في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تعرضت لصدمات مؤلمة على مدار العام الماضي. وهم يعلمون، من أعماقهم، أن جولة أخرى من القتال مثل التي شهدتها الأيام القليلة الماضية قد تؤدي إلى عواقب كارثية لكل طرف. وكان هنري كسينجر قد صنع أول انفراجة سلام حقيقية بين الإسرائيليين والعرب بعد أن كان الطرفان يترنحان وفي حالة هشاشة وألم نتيجة حرب 1973. وكل طرف كان يعلم أنه لابد أن يتغير شيء. والآن، إذا نظر المرء وأنصت عن كثب، يستطيع استشعار لحظة مشابهة تتشكل بعد أحدث جولة من القتال بين «حماس» وإسرائيل. 

فقد تلقت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، بقيادة محمود عباس أبو مازن، ضربة قوية حين استطاع الرئيس دونالد ترامب العام الماضي أن يجعل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان تبرم العلاقات مع إسرائيل دون انتظار التوصل إلى اتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي. وكانت الرسالة للقيادة الفلسطينية في الضفة الغربية في غاية الوضوح: «أنتم مضطربون تماماً وبلا فاعلية ونحن، الدول العربية، لن نسمح بأن يكون لكم القول الفصل فيما يتعلق بعلاقاتنا مع إسرائيل». ومن الجدير بالملاحظة أنه رغم قصف إسرائيل المتواصل لغزة، لم تتنكر أي من هذه الدول الأربع لعلاقاتها مع إسرائيل. 

لكن إسرائيل تعرضت لصدمة أيضاً. فقد تفاجأت بإطلاق «حماس» صواريخ على القدس. وتفاجأت ببعض الصواريخ طويلة المدى التي استطاعت «حماس» تجميعها في مصانعها تحت الأرض ونشرها، والاستمرار في نشرها، رغم الضربات الثقيلة للقوات الجوية الإسرائيلية. والأخطر من كل هذا، شعرت إسرائيل بالذهول من حقيقة أن «حماس» استطاعت إقحام إسرائيل في صراع خماسي الجبهات في وقت واحد. فقد وجدت إسرائيل جيشها وشرطتها يواجهان محتجين فلسطينيين عنيفين في الضفة الغربية، وفلسطينيين غاضبين في القدس الشرقية عند المسجد الأقصى، وصواريخ من جنوب لبنان يطلقها على الأرجح نشطاء فلسطينيون، وصواريخ من غزة تطلقها «حماس»، والأخطر هو عنف المحتجين في بلدات إسرائيلية مختلطة تجمع بين العرب الإسرائيليين واليهود الإسرائيليين. 

واستطاعت إسرائيل السيطرة على كل هذه الجبهات. لكن لم يكن من الصعب تخيل أنه لو استمر أو اندلع مرة أخرى، قد يضغط بشدة على جيش وشرطة إسرائيل واقتصادها. وإسرائيل لم تواجه مثل هذا النوع من التهديد متعدد الجبهات منذ قيام الدولة اليهودية عام 1948. وحتى الآن، مازالت إسرائيل تجد الكثير من التأييد والتعاطف في الرأي العام العالمي، لكن إلى متى؟ فهذه الحرب مع «حماس» فضحت وفاقمت هشاشة إسرائيل في الرأي العام. فقد انتشر عدد من المقاطع المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي لاستخدام إسرائيل القوة الجوية المتقدمة. وهذا استفز وحفز منتقدي إسرائيل حول العالم وكشف أيضاً عن مدى ابتعاد اليسار التقدمي الصاعد- بل وبعض الشباب اليهود- عن حكومة الجناح اليميني التي يقودها بنيامين نتنياهو. 

فقد أشار الصحفي جوناثان فريدلاند، في صحيفة الجارديان البريطانية، إلى أن هناك جيلاً جديداً من نشطاء الجناح اليساري التقدمي في أميركا وفي أوروبا لا يضع القضية الفلسطينية في صورة صراع بين حركتين قوميتين، بل في إطار «مسألة عدل عرقي صريحة». وما عليكم إلا أن تنظروا إلى لافتات الاحتجاج في الأيام القليلة الماضية في لندن، فقد جاء فيها «فلسطين لا تستطيع التنفس. حياة الفلسطينيين مهمة». وكثيرون من طلاب الجامعة الأميركيين اليهود ليسوا على استعداد للدفاع عن إسرائيل أو يخافون القيام بهذا. كما أخبرني مشرعون «ديمقراطيون» أنهم هوجموا على تويتر وفيسبوك لمجرد إشارتهم، ولو من بعيد، إلى أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد صواريخ «حماس». 

ولهذا لم أشعر بأقل دهشة حين قرأت أن سفير نتنياهو إلى واشنطن لفترة طويلة، «رون ديرمر»- وهو متقاعد الآن- صرح في الأسابيع القليلة الماضية دون مواربة أن اليهود أصبحوا من منتقدي إسرائيل بشكل غير متناسب، وأن إسرائيل بحاجة إلى التواصل بشكل أكبر مع الإنجيليين الأميركيين «المتحمسين»، حسبما نقلت صحيفة هاآرتس. لكن إسرائيل إذا خسرت دعم الجيل القادم من الأميركيين الليبراليين بما في ذلك الليبراليون اليهود، فإنها ستواجه أضراراً سياسية لن يستطيع تقليصها أي قدر من تأييد الإنجيليين. 

ثم هناك «حماس»، حيث أعلن زعماء الحركة في الصباح التالي لتنفيذ وقف إطلاق النار تحقيق «انتصار مجيد»، لكن سكان غزة - من أصحاب المتاجر والأرامل والأطباء والثكالى- ربما يطالعون حطام منازلهم ومكاتبهم والضرر الذي لحق بأسرهم، ويسألون «حماس»: «كيف تفكرون؟ من الذي بدأ الحرب مع اليهود وقواتهم الجوية في ظروف كتلك التي نعيشها في هذه الجائحة؟ ومن سيعيد بناء مكاتبنا ومنازلنا؟ لا يمكننا تحمل هذا بعد ذلك». 

ولذا لو كنت في موضع «حماس»، لن أنتعش بالأصوات الجديدة التي تنتقد إسرائيل في اليسار. بل سأشعر بالقلق من أنه لم تأت حكومة عربية واحدة فعلياً للدفاع عني، كما أن إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين منحت إسرائيل في الأساس الوقت الكافي لتوجه ضربة قوية لـ«حماس». ولو كنت في موضع «حماس»، لأقلقني شيء آخر. ففي الوقت الذي تتصدر فيه «حماس» مقدمة القضية الفلسطينية، سيتزايد عدد التقدميين الذين سيدركون حقيقة «حماس»، أي أنها حركة إسلامية فاشية جاءت إلى السلطة في غزة بانقلاب عام 2007 ضد السلطة الفلسطينية. 

ولكل هذه الأسباب أرسل لي صديقي فيكتور جيه. فريدمان، وهو ناشط أكاديمي عمل بكثافة على الحوار الفلسطيني اليهودي والعربي الإسرائيلي، رسالة بالبريد الإلكتروني من إسرائيل يقول فيها (ربما تكون هذه لحظة كسينجر أخرى مثل تلك التي حدثت بعد حرب 1973. وهذا الوضع يمثل دعوة انتباه لإسرائيل. ورغم اللف والدوران، يعلم الناس أنه لم يحدث انتصار حقيقي هنا. و«حماس» مثل المصريين في عام 1973، فاجأت إسرائيل وتسببت لها في ضرر حقيقي. وأراد نتنياهو أن يتسبب في ضرر لإذلال «حماس» قدر المستطاع دون الاقتحام البري. لكن بايدن منعنا قبل أن نتمكن من إذلال «حماس» تماماً). 

أعتقد أنه محق لكن مع تحفظ وحيد كبير، وهو أن كل شركاء كسينجر في المفاوضات كانوا زعماء قوميين أقوياء مثل الرئيس المصري أنور السادات ورئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير والرئيس السوري حافظ الأسد، وكانوا يحسمون صراعاً بين دول ذات سيادة. والواقع أن ما بدأه كسينجر عام 1973 وأتمه الرئيس جيمي كارتر في كامب ديفيد لم يتيسر إلا لأن كل هؤلاء الزعماء وافقوا فعلاً على تجاهل المشكلة المحورية المتمثلة في أن هناك شعبين يريد كل واحد منهما دولة على الأرض نفسها، أي المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية. 

المشترك بين نتنياهو ومحمود عباس وزعماء «حماس» هو أنهم غير مستعدين بالمرة للمخاطرة بمستقبلهم السياسي وحياتهم للتوصل إلى ذاك النوع من التنازل الصعب المطلوب لتحقيق انفراجة سلام في حربهم على القطعة نفسها من الأرض. وأنا مرتاب، وهو تعبير مخفف، بشأن احتمالات السلام. لكن لا ريبة عندي في أن الألم سيتزايد وكفى، من تزايد دقة الصواريخ واشتداد المقاطعة الدولية وتدمير المنازل التي لن يرغب الأجانب في تمويل بنائها والبطالة إلى المزيد من الشبكات الاجتماعية الأكثر اهتياجاً والمزيد من معاداة السامية. 
ورسالتي إلى بايدن هي «قد تكون مهتماً بالصين، لكن الشرق الأوسط مازال مهتماً بك. لقد ساعدت بمهارة في التوصل إلى وقف إطلاق النار. هل تريد، أو لديك الجرأة لانتهاز لحظة كسينجر الجديدة تلك؟ لن ألومك إذا لم تفعل. لكني أحذرك فحسب من أن الأمور لن تتحسن من تلقاء نفسها». 
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/05/23/opinion/israel-hamas-biden.html