بالنظر إلى أيام ما قبل الإصابة بجائحة كورونا، والتي شهدت نمواً ضعيفاً من رقم واحد، لا يسع المرء إلا أن يأمل ألا يستمر نمط أستراليا المتسم بالعجرفة الواضحة والرضا عن النفس، لأن الخروج من سياسات التحفيز يتطلب جرعة كبيرة من التواضع.
وقد ذكرت الحكومة الأسترالية قبل بضعة أيام أن البلاد استطاعت الخروج من الفجوة الاقتصادية الناجمة عن الوباء، حيث زاد نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.8% خلال الربع الأول من عام 2021 مقارنةً بالربع الأخير من عام 2020. وقالت وكالة الإحصاء الأسترالية في بيان مدعوم بالأرقام، إن رقم النمو الحالي أفضل مما كان متوقعاً، على الرغم من أنه انخفض عن مستواه في الربع الرابع المعدل حيث بلغت النسبة 3.2%، ووضع النشاط فوق المستويات التي سجلها قبل تفشي فيروس كورونا.
وتعد هذه المهمة بمثابة تذكير بالأيام الماضية بعد منعطف القرن، عندما اعتقد السياسيون والمسؤولون التنفيذيون في أستراليا أنهم يعرفون كل شيء. يبدو أن البلاد قد اتبعت في الماضي صيغة ما (سحرية) - بناءً على معايير المعيشة في العالم المتقدم في منطقة تهيمن عليها الأسواق الناشئة النابضة بالحياة- ساعدتها على المضي قدماً من دون ركود لما يقرب من ثلاثة عقود.
وتأتي الأرقام الأخيرة بعد يوم من إشادة البنك المركزي بالتعافي، مشيراً إلى أنه سيقرر الشهر المقبل مصير التسهيل الكمي، بالإضافة إلى سياسته الخاصة بتحديد سقف للعوائد على سندات حكومية معينة. هناك حاجة إلى بعض الابتعاد عن هذا المستوى الاستثنائي من الدعم –الذي كان يعتبر احتمالاً هامشياً قبل الوباء- نظراً لنجاح التعافي. قد يختار بنك الاحتياطي الأسترالي الإبقاء على التسهيل الكمي في شكل مختصر، بينما يتوقف عن استخدام ما يسمى بالتحكم في منحنى العائد، والذي يهدف إلى الحفاظ على أسعار الفائدة على الديون السيادية لمدة ثلاث سنوات بالقرب من الصفر. سيظهر هذا بعض الثقة من خلال استطلاع الآراء عند سحب المساعدات دون القفز بعيداً جداً في المجهول.
هذا التردد له ما يبرره. فلا يزال التضخم بعيداً عن الاستقرار في النطاق المستهدف لبنك الاحتياطي الأسترالي البالغ 2-3%، ومن المرجّح أن يؤدي مثل هذا الانقطاع الدراماتيكي عن سياسات العام الماضي إلى تعزيز الدولار الأسترالي أكثر من اللازم. ويشعر المسؤولون أيضاً بالقلق بشأن حيوية سوق العمل. من خلال اعتراف البنك الاحتياطي، كان الانتعاش مدعوماً مالياً ونقدياً، فرئيس الوزراء «سكوت موريسون» ليس على وشك إنهاء الإنفاق الوارد في ميزانية حكومته التي صدرت الشهر الماضي. وستواجه كتلة موريسون المحافظة، التي كانت تركز على الفوائض، عجزاً حتى عام 2025. كما أن احتمال إجراء انتخابات وطنية في غضون عام يجعل من غير المرجح للغاية أن يتم تفكيكها. تتمتع أستراليا الآن باقتصاد محلي إلى حد كبير، مسنوداً بالدعم الحكومي، لكنه يتطلع إلى الداخل فقط، إذ أن الحدود مغلقة فعلياً. ولن يندفع موريسون لتغيير ذلك، رغم أن الميزانية الأخيرة تضمنت دعماً للسياحة والطيران. يبدو أن السرد الأساسي يستند إلى إثارة الخوف من أن الانفتاح على الغرباء سيؤدي إلى اندلاع جديد للجائحة. وتعد هذه مشكلة حادة بشكل خاص لأن عملية التطعيم تتخلف عن العديد من البلدان المتقدمة الأخرى. إن سياسة أستراليا الهادفة إلى القضاء على الفيروس، بدلاً من احتوائه، تعني أنه حتى موجات التفشي الصغيرة ستتبعها بسرعة عمليات إغلاق في المدينة أو الولاية، الأمر الذي يضع عائقاً حتمياً أمام النمو. وقد ألمح محافظ بنك الاحتياطي الأسترالي «فيليب لوي» إلى هذا في بيانه بعد اجتماع مجلس الإدارة مؤخراً، حيث قال: «أحد المصادر المستمرة لحالة عدم اليقين هو احتمال تفشي الفيروس بشكل كبير، على الرغم من أن هذا يجب أن يتضاءل مع تلقيح المزيد من السكان». وقال زعيم إقليمي بارز يوم الأربعاء الماضي: إن إغلاق ملبورن، ثاني أكبر مدينة في البلاد، سيمتد أكثر من سبعة أيام السبعة، بينما يواجه سكانها البالغ عددهم 5 ملايين نسمة الإغلاق للمرة الرابعة. وتعني وتيرة التوقف والانطلاق هذه أن رحلة العودة إلى الوضع الاقتصادي الطبيعي ستكون بطيئة.
بكل الوسائل، فإن أستراليا تتمتع بالانتعاش. لكن هذه ليست لحظة لتهنئة الذات. لا يوجد شيء فريد من نوعه في الجانب الآخر من العالم من شأنه أن ينقذ البلاد من فيروس كورونا.


*كاتب متخصص في الاقتصادات الآسيوية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»