عام 1998 احتاجت إدارة كلينتون إيصال رسالة تظهر فيها ارادتها السياسية (استعراض للقوة)، حينها أطلقت عملية عسكرية «عبثية» استهدفت العراق وأسمتها (ثعلب الصحراء Desert Fox). العملية كانت ضئيلة الكلفة السياسية أميركياً، إلا أنها كانت عالية الكلفة عراقياً.

واليوم تحاول إدارة الرئيس بايدن استحضار تلك العملية العبثية للتغطية على تعثر كل المسارات السياسية وعلى رأسها ملفي فيينا (إيران) والانسحاب من أفغانستان، لذلك تقرر استهداف قواعد لمليشيات إيرانية بين البوكمال (السورية)، والقائم داخل الحدود العراقية (نقطة الربط بين أوتوستراد طهران بيروت)، بهدف إيصال رسالة لحلفاء الولايات المتحدة في التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، والذي انعقد في 28 من يونيو المنصرم، وفحواها «نحن قادرون على استخدام توظيف أدوات الحزم السياسي».

هل ستكون مثل تلك العمليات متناسبة والتعامل مع مصادر التهديد المباشر للقوات الأميركية أو الحليفة العاملة في العراق وعموم منطقتي الشرق الأوسط والأدنى، أم ان التعاطي مع تصنيف «تنظيم إرهابي» سيبقى انتقائي سياسياً. فغالبية المليشيات العراقية التابعة لإيران مصنفة إرهابية، إلا أن الموقف السياسي منها يبقى «أدبياً» من قبل التحالف الدولي في محاربة الإرهاب، فهل للاعتبار الطائفي شأن بذلك أم إننا في حاجة لتحالف دولي آخر لمحاربة التنظيمات الإرهابية الإيرانية الولاء.

وحتى لا نظلم وجهة النظر الأميركية، فلربما تفترض «هي»، عبر نظرتها الخاصة لتنظيم «طالبان» «الإرهابي» نوع من التوازن من منطلق طائفي سياسياً.

عسكرياً وسياسياً ستبقى أفغانستان كلفة تتجاوز أي اصطلاح سياسي، يمكن التوافق عليه أميركياً، وكذلك هو الأمر من كلفة تحقيق الاحتواء الأمثل لإيران، أولاً لشبه تماثل المقاربة السياسية في كليهما، وثانياً، رفض الإدارات الأميركية المتعاقبة الاعتراف بتفوق البراغماتية الثيوقراطية (إيران وباكستان) في تفسير المفهوم الأميركي لضرورات استدامة الاستقرار السياسي جغرافيا. رغبة الولايات المتحدة في وجود قوى إقليمية عتيدة قادرة على تمثيل مصالحها دون المساس بالمصالح الاستراتيجية الأميركية، كان محفزها في الاعتراف باستحقاقات إيران بالإضافة لتركيا وإسرائيل في التوسع جيوسياسياً.

كلفة العمليات العسكرية في أفغانستان تجاوزات تريليوني دولار، والتي استمرت منذ انطلاقها 2001 إلى تحديد موعد اكتمال انسحابها في سبتمبر المقبل دون تحقيق أي هدف مقبول سياسياً، أو حيازة (إضافة) لمنطقة نفوذها جيواستراتيجيا، في حين مثل قرارها التخلي عن سوريا إضراراً بمصالحها الاستراتيجية المباشرة في منطقة مسلم كونها جزءًا من منطقة نفوذها التاريخي، بل وأعاد روسيا إلى المنطقة وحفز مماثلة الصين ذلك. إذا رغب الأميركان استحضار تاريخهم العسكري سياسياً منذ حربهم في فيتنام، فعليهم استحضار عملية «ماركت غاردن Market Garden»، لأنها الأقرب في محاكاة الفشل العسكري سياسياً دون احتساب الكلف. فالمؤسسة السياسية دائماً ما تعبر عن براغماتية خاصة في تحميل المؤسسة العسكرية كلف فشلها السياسي.

وتعتبر عملية «ماركت غاردن» أنموذج لمخاطر الافراط في الخلط بين ما هو سياسي وعسكري. وربما بات من الضروري التعريج على موقف المؤسسة السياسية الأميركية من تنظيم «داعش» في شمال أفريقيا ومنه في حوض الرافدين.

ففي حين انصب جهد التحالف الدولي في محاربة «داعش» واحتوائه جغرافياً في حوض الرافدين، إلا أنه مُكن من حرية التمدد جغرافيا في شمال/ وسط/ وغرب أفريقيا منذ 2014. واليوم ستقوم الولايات المتحدة بتسليم أفغانستان، ليس فقط لتنظيم إرهابي هو«طالبان»، بل عبر ذلك ستشرعن الاعتراف به سياسياً على المستوى الدولي. فكيف يجب تقبل ذلك، وأين ذلك من العرف الأميركي «إذا كسرت الشيء ملكته If You Break It، You Own IT».

* كاتب بحريني