أصبح مما لا شك فيه القول بأن جائحة كورونا التي ألمت بالعالم بأسره وجّهت ضربة قاسية ومؤلمة للاقتصاد العالمي الذي يعاني بالفعل من هشاشة جراء العديد من العوامل، والذي يحتاج معها إلى وقت طويل للتعافي. ويتضح ذلك جلياً على صعيد الاقتصاد الشامل في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، والتي لطالما كانت عرضةً لاضطرابات اقتصادية ومالية واسعة.

ولو أردنا البدء من أي زاوية للحديث عن الفترة اللاحقة للاقتصاد فيما بعد كورونا، فسنقول إن الإغلاقات التي طالت جميع الأعمال والأنشطة في العالم، في مختلف المجالات والأصعدة، والإلغاءات التي شملت مختلف أنشطة العالم من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله.. سوف تأتي بالأثر السلبي البالغ. ويمكننا هنا أن نشبه ما حدث بالانفجار الكبير الذي أصاب الكرة الأرضية وأوقفها للحظات عن الحركة محدِثاً فيها صدمةً إجباريةً.

وعودة إلى اختيار المدخل المناسب لتناول هذه الأزمة العالمية، يمكننا أن نختار أي مدخل، فعلى سبيل المثال نجد، وعلى الصعيد الاقتصادي دائماً، بأن انخفاض الناتج العالمي ستنتج عنه آثار وخيمة على الاقتصاد برمته، وسيتحكم الوضع السلبي للاقتصاد في مرحلة ما بعد كورونا. فالأضرار طويلة الأجل سوف تخلّف حالات ركود حاد ستنشأ عنها تداعيات سلبية مستدامة على حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي، من خلال تقلص معدلات الاستثمار والابتكار، كما سيؤدي إلى تآكل رأس المال البشري للعاطلين، وسيعمل على الانسحاب من دورة التجارة العالمية، والتي لن تكون كما كانت دورتها قبل الأزمة، وذلك بسبب انقطاع الصلة مع سلاسل التوريد بين الدول. ولن تكون الاقتصادات القوية في العالم بمنأى عن الارتدادات القوية للجائحة، بما في ذلك الدول المصدرة للنفط والتي عانت طوال فترة الجائحة من انهيار أسعار البترول بسبب تبعات الأوضاع التي سببتها الجائحة وضمنها حالة التوقف عن الحركة في العالم.

وهنا نؤيد ما ورد على لسان بعض المراقبين الاقتصاديين للحالة الاقتصادية في العالم، ومفاده أن العالم يحتاج إلى خمس سنوات على الأقل لكي يتعافى من تبعات الجائحة، وهو أمر مكلّف جداً على الصعيد الاقتصادي. وبناءً عليه فإن الأوضاع الاقتصادية في العالم لفترة ما بعد جائحة كورونا تستوجب تضافر الجهود العالمية لمواجهة تبعاتها الثقيلة. وفي المقدمة من ذلك وضع سياسات وبرامج إصلاح شامله لتحسين أداء المؤسسات الرئيسية وتحديد أطر عمل واضحة وبعيدة المدى، بما يمهد الطريق لآفاق أكثر إشراقاً على المدى الطويل، ثم اعتماد آليات للتأهب والوقاية والاستجابة للأزمات القادمة قبل وقوعها.

*كاتب كويتي