أول ما نستهل به هذا المقال حمد الله تعالى وشكره على هذه اللحظة التاريخية المهمة، فنحن اليوم نعيش مؤشرات واضحة لأفول «الإسلام السياسي»، الذي يعتبر أحد تمظهراته في هذا العصر «جماعة الإخوان» الإرهابية، بعد أن أهلكت الحرث والنسل، ودمرت البلاد والعباد، وسعت في الأرض فساداً، فمن الطبيعي أن تفرح الأوطان والشعوب بالبطولات والانتصارات، وأرى أن من واجبنا الاحتفاء والافتخار بما تحقق لنا اليوم (وَأُخْرَى تُحِبونَهَا نَصْرٌ مِنَ الله وَفَتح قَرِيب وَبَشِرِ الْمُؤمِنِين). فهذا الانتصار ليس كأي انتصار آخر، إنه انتصار السلم على الإرهاب، والاستقرار على الفوضى، والتسامح على الكراهية، والقيم الإنسانية على الظلم والبغي والاعتداء، وتعاليم الدين السمحة على التطرف والتكفير والإقصاء، والدولة الوطنية على أوهام الخلافة، فاللحظات الذهبية لانهيار الفكر المتطرف والانتصار عليه قد لا نجد لها مساحة كبيرة في التاريخ، ولكن تاريخنا الحديث سيخلد هذه اللحظة بمداد من ذهب في كل دفاتره، وأن هناك مجتمعات ادخر الله لها هذه المنقبة والفضل، الذي تعسر على غيرها، فاجتثت جماعة إرهابية أيديولوجية من جذورها، وقضت على آمالها، ودفنت مشاريعها تحت الأقدام، وجعلوها في خبر كان.

عقود تلو العقود من اختطاف الدين، وهدم الأوطان، والتحايل على الإنسان، والتلون والتقية، وسرقة عقول الشباب، واستغلال مقدرات الشعوب، حتى كانوا قبل عشر سنوات من اليوم؛ يُستقبلون بالورود، وتفرش لهم السجاجيد الحمراء، وتهدى لهم الحكومات، وتنصب لهم المنصات، وتقام لهم المؤتمرات، وتفتح لهم الميادين والقنوات، وتُسلم لهم المؤسسات، إلا أنه في الوقت نفسه كان هناك من يُحذر العالم من خطرهم.

وفي تلك السنوات العشر العجاف التي لم يستبشر بها العقلاء والأوفياء لأوطانهم خيراً، ولكن نهايتها -بلا شك- كانت خيراً للأوطان والإنسانية، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) فقد افتضح أمر هذه الجماعة الإرهابية، وسقط عنها الغطاء الديني، وعرفت المجتمعات الواعية والشباب أساليبها الملتوية، فلم تعد لها قلعة حصينة تأوي إليها على هذه البسيطة، ولا عقل يصدقها، ولا إنسان يأتمنها، فكانت حساباتهم وحسابات من يُؤمن بمشروعهم ويقف خلفهم خاطئة، ومشاريعهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وحكمة الله ماضية، ولم يكن الباطل ليغلب الحق (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) وإنما هي سنة الاستدراج والإمهال للظالمين (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِن كَيْدِي مَتِين) فبحثوا بظلفهم عن حتفهم، وتهافتوا كالفراش على ما يحرقهم ويفنيهم، فلقوا جزاءهم، وذلك جزاء الظالمين المعتدين.

فجماعة «الإخوان» الإرهابية ليست على شيء؛ وهي أضعف وأوهى من بيت العنكبوت، وأشبه ما يكون أمرهم بما حكاه الله عن الجن الذين كانوا يعملون دأباً خوفاً من سيدنا سليمان عليه السلام، وهم لا يعلمون موته، (فَلَمَا خَر تَبَيَّنَتِ الْجِنُ أَن لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) إنما سحروا أعين الناس واسترهبوهم، ولم يكن لتقوم لهم قائمة لولا تلك الحبال التي تُمدهم وهي تلك التي لا تريد لأوطاننا الاستقرار والازدهار. فخسرت بإذن الله تعالى إلى الأبد؛ السياسي والديني، والتربوي والدعوي، والخيري والاجتماعي، حيث طالما وظفت كل ذلك من أجل كرسي الحكم، وسرقة الدول، والتلاعب بمستقبل أبنائها وشبابها وشعوبها، وأعظم انتصار تحقق اليوم انهيار نظرية جعل الدين سلماً للسياسة.

ونحن نؤمن إيماناً عميقاً أنه بعد عقود ستأتي أجيال وتتلقى في مدارسها أن هناك جماعة أيديولوجية إرهابية اختطفت الأديان، وسيطرت على عقول الشباب، وأخرت تنمية واستقرار الشعوب لقرن كامل، وفي نفس اللحظة كانت هذه الجماعة ترفع شعارات التنمية والعدالة، والنهضة، والإصلاح، ولكن المجتمعات وقفت لها بالمرصاد؛ فأقبرت مشروعها وأسقطت أركانها. فواجبنا اليوم على كل محبي الأوطان، والمدافعين عن الإنسانية، والمتشبثين بأديانهم وتقاليديهم وثقافتهم، أن نخلد هذه اللحظة كل من موقعه لرصد الفرح بقصائد شعرية، ومقالات صحفية، ودراسات علمية، ومؤتمرات نخبوية، لنرسم لوحة جميلة ووثيقة عالمية، تخلد هذه اللحظة التاريخية.

إن سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله ورعاه، قد أخذ على عاتقه مسؤولية حماية الأوطان بالفكر المعتدل والتسامح وقبول الآخر والتنمية الوطنية الشاملة واستثمار طاقات الشباب العربي واستعادة القيم الإنسانية والأخلاقية ، فأمَّن الوطن والمنطقة العربية، وحصنها من الخطر الأيديولوجي، فسموه دوماً يقود الجميع للقمّة، ويتقدم الصفوف، ويلهم العالم. أفلا يحق لنا بعد كل هذا أن نقول له شكراً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، فقد أديت الأمانة، ونافحت عن دين الله تعالى، وصنته من تحريف الغالين وانتحال المبطلين، فجزاك الله خيراً من قائد فذ حكيم حازم عازم، وحفظك الله وأنار دربك، وحقق على يديك آمال العرب والمسلمين والمجتمعات الإنسانية كافة، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

* كاتب إماراتي