دخلت الولايات المتحدة مرة أخرى في جدل حزبي حول كيفية احتواء متغير دلتا لفيروس كورونا. وربما يلقي كلا الحزبين الرئيسيين نظرة عبر المحيط الأطلسي للتعرف على أساليب الدول الأوروبية في مواجهة الجائحة. لقد جُربت هذه الأساليب مباشرةً هذا الصيف، حيث قضيتُ ستة أيام في آيسلندا، وبعدها 17 يوماً في هولندا وبلجيكا وألمانيا والدنمارك.

لقد قضيت كل ذلك الوقت تقريباً في مدن كبيرة مكتظة بالسكان مثل أمستردام وكوبنهاجن. هذا هو بالضبط نوع الأماكن التي قد يتوقع المرء أن يجد فيها قواعد صارمة وقوية لمكافحة فيروس كورونا. لكن في الواقع كان الأمر عكس ذلك تماماً. فيما يتعلق بالتباعد الاجتماعي، أوصت كل دولة بالتزام قواعد التباعد مثل الولايات المتحدة، لكن آيسلندا -على سبيل المثال- توصي بفاصل متر واحد فقط بين الناس، هذا حوالي ثلاثة أقدام، أو ما يقرب من نصف المسافة المقترحة هنا.

وتوصي بلدان أخرى بمسافة 1.5 متر، أو أقل قليلاً من خمسة أقدام. قد لا يبدو أي من الاختلافات كبيراً، لكن أصحاب المطاعم والمتاجر الذين يتوقون للحفاظ على سير العمل في مشاريعهم يمكن أن يستوعبوا المزيد من العملاء. يساعد ذلك بالتأكيد هذه الأعمال التجارية على استمرار العمل ولا يؤدي إلى زيادة انتشار الفيروس بشكل كبير. ولا يتم تذكير المرء باستمرار بالقواعد من خلال وضع علامات على النوافذ وملصقات على الأرضيات. لم أر عملياً أياً من جهود الحماية المفرطة هذه في أي من البلدان التي زرتها، مع وجود استثناءات ملحوظة في وسائل النقل العام والمباني التي تديرها الحكومة.

كل من هذه الدول لديها حكومات وطنية كبيرة وقوية بشكل ملحوظ، ومع ذلك يبدو أن كلاً منها على استعداد للثقة في أن مواطنيها سيفعلون الشيء الصحيح دون إزعاجهم. وكانت معظم الدول الأوروبية التي زرتها أكثر تساهلاً بشكل ملحوظ، فيما يتعلق بارتداء القناع وإلزام الناس به في الأماكن العامة. في حين أن ارتداء القناع مطلوب في وسائل النقل العام، إلا أن بلجيكا هي الوحيدة التي طلبت ارتداء القناع في الأماكن المغلقة (لكن في المطاعم، كان رواد المطعم يزيلون الأقنعة فور جلوسهم على طاولاتهم).

وخارج بلجيكا، لم يكن أي من العاملين في المطاعم والفنادق يرتدي أقنعة. كانت الحياة في أوروبا قريبة من طبيعتها مثل أي مكان كنتُ أذهب إليه منذ بدء الجائحة، بخلاف عدد قليل من الولايات الحمراء مثل ساوث داكوتا أو ألاسكا. صحيح أن جميع هذه البلدان لديها معدلات تطعيم أعلى ومعدلات إصابة أقل من الولايات المتحدة. لكن هذا فقط بسبب الولايات ذات معدلات التطعيم المنخفضة، مثل ميسيسيبي ولويزيانا.

تحرز الدولُ التي زرتُها تقدماً بسيطاً عن الدول في الشمال الشرقي وساحل المحيط الهادئ فيما يتعلق بالتطعيم، فقط ألمانيا لديها معدل إصابة أقل بكثير من الدول التي تم تلقيحها بشكل مكافئ. على سبيل المثال، يبلغ معدل الحالات اليومية في مقاطعة مونتجومري (ماريلاند) حوالي 12 حالة لكل 100 ألف شخص يومياً، أي أقل مما هو عليه في الدنمارك أو هولندا. ومن غير المعقول أن تطلب المقاطعة ارتداء الأقنعة في الأماكن المغلقة، بينما لا تفعل هذه الدول ذلك. الحقيقة هي أن اللقاحات، وليس الأقنعة أو التباعد الاجتماعي، هي الطريقة الأكثر فعالية لمنع انتشار الفيروس.

أعادت آيسلندا فرض ارتداء القناع في الأماكن المغلقة في أواخر يوليو الماضي استجابةً للارتفاع المفاجئ في عدد الحالات. وبعد ما يقرب من الشهر، لا تزال الحالات أعلى بكثير مما كانت عليه في السابق في البلاد. كما أظهرت دراسة حديثة أن السبب قد يكون نوع أقنعة القماش ذات الأسعار المعقولة التي يرتديها معظم الناس، فهي فعالة بنسبة 10% فقط في تنقية الجسيمات العالقة في الهواء التي يمكن أن تحمل الفيروس.

ويثير ذلك تساؤلات حول جوازات السفر والتفويضات الخاصة باللقاحات. إذا كانت اللقاحات هي الجواب الحقيقي الوحيد، فهل يجب على الولايات المتحدة أن تطلب من الأميركيين تلقي اللقاح؟ بعض الدول الأوروبية تحث سكانها بشكل حثيث على تلقي اللقاح.

وتطلب كل من الدنمارك وألمانيا دليلاً على تلقي اللقاح لتناول العشاء في المطاعم، على سبيل المثال، وتطلب فرنسا الآن دليلاً على تلقي التطعيم لدخول المتاحف أو لاستخدام وسائل النقل لمسافات طويلة. ومع ذلك، فقد أشعل هذا التحرك الفرنسي أياماً من الاحتجاجات، ولا يسع المرء إلا أن يتخيل مستوى السخط الذي قد ينشأ إذا حاولت الولايات المتحدة شيئاً مشابهاً.

من المحتمل أن تقتصر متطلبات اللقاح هنا على الكيانات الخاصة وفي الأماكن التي تم فيها قبول هذه المتطلبات منذ فترة طويلة، مثل المدارس العامة. باختصار، تثبت تجربة أوروبا أن معدلات التطعيم المرتفعة، إلى جانب التساهل مع السكان، هي أفضل طريقة للتعامل مع الوباء مع الحفاظ على مستويات عالية من الحرية. ومن الحكمة أن يتعلم صانعو السياسة في الولايات المتحدة هذا الدرس.

*زميل بارز في مركز الأخلاق والسياسة العامة

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»