يروّج الكثير من أعضاء ورموز الجماعات الأصولية والأحزاب الإسلاموية إلى انتصار مؤزر لقوات حركة «طالبان» وهزيمة لأميركا أفضت إلى انسحاب جيشها من أفغانستان لتصبح في قبضة «طالبان». وهذه الأقوال هي في الواقع ضرب من الخيال، وما حدث لا يعكس انتصاراً ولا هزيمة بالمطلق، بل يحتاج الأمر إلى تحليل منطقي للواقع. 
الحقيقة أن ما حدث في أفغانستان خلال الأسابيع القليلة الماضية ليس كما حدث في فيتنام عام 1975 بعد إجلاء الجيش الأميركي وخسائره البشرية والمادية الفادحة، رغم المقارنات التي ساقها بعض المحللين والراصدين للشأن الأفغاني ومستجداته. وإن صح لنا أن نسمي ما حدث في فيتنام بالهزيمة، فإن ما حدث في أفغانستان هو فشل سياسي بالأساس، إذ بعد أن كان الهدف الأساسي للتواجد الأميركي هو محاربة الجماعات المسلحة القريبة من «طالبان»، قبل أن يتم تمكين «طالبان» نفسها وتسليمها الجملَ بما حمل! أي أن أميركا ظلت تحارب «طالبان» عشرين عاماً ثم سلمت البلد لذات الجماعة التي حاربتها طوال هذه السنوات! وهذا فضلاً عن انهيار السلطة السياسية التي بنتها أميركا وتلاشي الجيش الذي درّبته وصرفت عليه مليارات الدولارات. وفوق هذا وذاك فإن خطة الانسحاب بحد ذاتها شكلت فشلاً أكده الهجومُ الانتحاري الذي نفذه تنظيم «داعش» (ولاية خراسان) في مطار كابول وأدى إلى مقتل ثلاثة عشر جندياً أميركياً في يوم واحد، وهو عدد كبير قياساً بعدد قتلى الجيش الأميركي خلال سنواته الأخيرة في أفغانستان! 
وكما ذكرت سلفاً، فإن المقارنة بين انسحاب الجيش الأميركي من فيتنام وانسحابه من أفغانستان هي مقارنة جائرة من حيث النتائج، والنتائج هي الفيصل في الحروب. ففي أفغانستان خرجت أميركا دون تحقيق الأهداف التي جاءت من أجلها، باستثناء قتل ابن لادن وإضعاف تنظيم «القاعدة» إلى أقصى حد. وهذا أيضاً إنجاز يحسب جزئياً للاستخبارات الباكستانية التي تعاونت مع الجيش الأميركي لإنجاز المهمة، عدا ذلك لم تترك أميركا بصمة تذكر في أفغانستان، فلا تنمية تحركت، ولا اقتصاد ازدهر، ولا مجتمع تغيرت ثقافاته، ولا تطور في مؤسساتها وجيشها ونمطها الاجتماعي والسياسي. لقد خرجت أميركا كما دخلت، بل خرجت بضربة كبرى لجيشها وخطة انسحاب غير محسوبة المخاطر والمآلات.
أما الوضع في فيتنام عشية الانسحاب الأميركي منها فكان مختلفاً تماماً، فبالرغم من أن الحرب هناك بحلول نهايتها لم تكن تحظى بتأييد شعبي في الولايات المتحدة، كونها كانت تكلف مليارات الدولارات، وقد أودت بحياة أكثر من 58 ألف أميركي، فقد شكل سقوط سايغون ضربة لمكانة أميركا على المسرح العالمي، مما دفع إلى ظهور مصطلح متلازمة فيتنام كدلالة على إحجام الناخبين الأميركيين عن الالتزام بتأييد القوة العسكرية في الخارج. ورغم الهزيمة العسكرية في فيتنام، فإن سياسة أميركا على مدى سنوات بقائها هناك فتحت آفاقاً كبيرة للتغيير تحولت بموجبها فيتنام لاحقاً إلى دولة رأسمالية ناجحة اقتصادياً على مستوى آسيا، بل وأصبحت أهم حلفاء أميركا. وفضلاً عن التحولات السياسية الكبرى، فقد تطورت قدراتها العسكرية أيضاً. ومن هنا نقول إن المقارنة جائرة حين نستحضر الحدث الفيتنامي لمقارنته بما حدث في أفغانستان، حيث تتزايد المخاوف مما تخفيه الأيام القادمة من احتمالية حرب أهلية سيكون وقودها الأسلحة الأميركية المقدرة قيمتها بـ85 مليار دولار!
وأخيراً.. فقد سقطت سايغون عاصمة فيتنام بعد عامين من انسحاب القوات الأميركية، وسقطت كابل بأيدي «طالبان» قبل مغادرة القوات الأميركية مطار كابول! أما المفارقة الأكبر فهي أن هناك مَن يحتفل ويهلل ويكبِّر لانتصار «طالبان»، مقابل تأرجح أجساد الأفغان وهم يتعلقون بالطائرات الأميركية هرباً من ذلك «الانتصار»!
كثيرون الآن وهم يتابعون قرارات الرئيس بايدن حول أفغانستان، يتذكرون العواقب السياسية لقرارات الرئيس جيرالد فورد عام 1975 وأثرها في تاريخه السياسي.

كاتبة سعودية