كيفما يقرأ العالم، بما فيه من سياسيين واقتصاديين وعسكريين ومثقفين ومحللين وباحثين، عن وثيقة «مبادئ الخمسين»، التي أعلنتها دولة الإمارات العربية المتحدة، في مطلع هذا الأسبوع، سيجد أن الرؤية الخالدة لهذه الدولة الفتية، التي ترسخت خلال الخمسين عاماً الماضية، وتم بناؤها على أسس متينة، على يد الآباء المؤسسين، قد توهجت اليوم، وأصبحت أكثر اتساعاً وعمقاً وأكثر شمولية، وهي ترسم المسار الاستراتيجي لدولة الإمارات خلال الخمسين عاماً القادمة، وتؤكد بكل وضوح، أنه مسار اقتصادي بامتياز.
لا اعتقد أن هناك دولة في العالم قد فطنت إلى وضع رؤية شاملة حقيقية استراتيجية لخمسين عاماً، قد يكون هناك بعض الأفكار والمبادرات أو الخطط الاستراتيجية التي تعنى بجوانب محددة في بعض الدول المتقدمة، لكن وثيقة الخمسين الإماراتية التاريخية هي ميثاق وطني جامع، وثيقة لا تضع الملامح فحسب، بل ترسم بدقة متناهية وعمق شديد، كبوصلة قبطان خبير، معالم المسار والطريق، وصولاً إلى مئوية دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 2071.
يوجه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أن المنهج السياسي للمسار الاستراتيجي قائم على السلم والسلام والحوار، وأن مصلحة الإمارات العليا والوحيدة والرئيسية هي توفير أفضل حياة لشعب الاتحاد ولجميع من يقيم في دولة الإمارات وتنمية شاملة في كافة مناطقها وعبر كافة قطاعاتها. ويؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «دولة الإمارات وجهة واحدة.. اقتصاد واحد.. وعلم واحد.. ورئيس واحد.. وسيعمل الجميع كفريق واحد في الخمسين المقبلة»، كذلك يؤكد أن «قيمنا خلال الخمسين القادمة ستبقى كما أرادها المؤسسون.. الشعب الأفضل والأنبل والأكثر عطاء». ويوضح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رعاه الله: «المبادئ العشرة لدولة الإمارات خلال الخمسين عاماً القادمة.. تشكل مرجعاً لجميع مؤسساتها لتعزيز أركان الاتحاد وبناء اقتصاد مستدام، وتسخير جميع الموارد لمجتمع أكثر ازدهاراً، وتطوير علاقات إقليمية ودولية لتحقيق مصالح الدولة العليا ودعم أسس السلام والاستقرار في العالم». 
لن نقفز عن بعض مبادئ وثيقة الخمسين التاريخية، فتلك تحتاج إلى عدة مقالات لبحثها وتحليلها، ولكننا سنركز هنا على المبدأ الثالث الذي يشير إلى أن «السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات. هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد. وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الاتحاد»، والخامس الذي يشير إلى «حسن الجوار أساس للاستقرار. المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي الذي تعيش ضمنه الدولة يعتبر خط الدفاع الأول عن أمنها وسلامتها ومستقبل التنمية فيها. وتطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية مع هذا المحيط يعتبر أحد أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة»، وكذلك العاشر الذي ينص على «الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هي الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي يعتبر محركاً أساسياً للسياسة الخارجية».
فهذه المبادئ الثلاثة توجه المسار الاستراتيجي لدولة الإمارات على الصعد الخارجية، الإقليمية والدولية على حد سواء، فهي رسالة واضحة الأهداف ليس لكل دولة في العالم فقط، بل لكل شخص يريد أن يتعامل مع دولة الإمارات، سواء أكان قريباً أم بعيداً، بأن كل ما سنفكر فيه أو نقوله أو نفعله خلال الخمسين عاماً القادمة، سيرتكز بشكل حتمي بحيث تكون نتيجته توفير أفضل حياة لشعب الإمارات والمقيمين على أرضها، من خلال خدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات، وأن الوسيلة لتحقيق ذلك مع الجيران والأصدقاء والحلفاء والشركاء، وكل من يريد التعامل مع دولة الإمارات هي رؤية حسن الجوار وتطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية إيجابية مستقرة، من خلال الدعوة الدائمة والمستمرة للسلم والسلام، ومن خلال الحوار الإيجابي البناء لإيجاد الحلول المختلفة لإنهاء كافة أنواع الخلافات، وأن يد الإمارات البيضاء النقية، ستكون ممدودة دائماً، بالتعاون مع الشركاء والأصدقاء لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي.
مبادئ الخمسين، التي تمثل المسار الاستراتيجي التاريخي لدولة الإمارات في الخمسين عاماً القادمة هي تكليف لكل مواطن ومقيم ومحب لدولة الإمارات العربية المتحدة، لن يُنقش في الصدور فقط، بل هو ميثاق شرف ومسؤولية كبرى يجب أن تُحمل بأمانة وصدق ومثابرة، لا مثيل لها.

* لواء ركن طيار متقاعد