وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن قبل عدة أيام أمراً تنفيذياً يوجه مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) برفع السرية عن الوثائق المتعلقة بهجمات 11 سبتمبر الإرهابية التي وقعت على مقرات حيوية داخل الولايات المتحدة، وأحدثت أضراراً بليغةً وراح ضحيتَها 3000 شخص، 2600 منهم في مركز التجارة العالمي و125 في مبنى البنتاغون، و265 لقوا حتفهم على الطائرات الأربع المختطفة لتنفيذ التفجيرات.

وهذا الإجراء يعد مألوفاً في حالاته الطبيعية، إن كان هناك ما يدعو لرفع السرية، لكن من غير الطبيعي أن يُزجَّ باسم المملكة العربية السعودية في هذا الملف، وبطريقة مستفز تذكِّرنا بالفشل الذي واجهه الرئيس السابق باراك أوباما بعد تلويحه مراراً بقانون جاستا أو «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب» الذي يقضي برفع الحصانة السيادية التي تمنع إقامة دعاوى قضائية ضد حكومات الدول.

وينص هذا القانون على أن مواطنين أميركيين نجوا من الهجمات الإرهابية، وهم أقارب قتلى الهجمات، يمكنهم المطالبة بتعويضات من دول أخرى، وفي هذه الحالة فإنه يتيح المضي قدماً في دعاوى بمحكمة اتحادية في نيويورك، حيث سعى محامون لإثبات اتهامات ومزاعم فجة بأن مسؤولين سعوديين كانوا ضالعين في الهجمات على مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بواشنطن، يوم 11 سبتمبر 2001، والتي قام بتنفيذها 19 شخصاً بعضهم يحملون الجنسية السعودية، رغم أنهم خرجوا من مناطق ودول أخرى، وكأن هذا القانون صُنع خصيصاً لإدانة دولة وليس فقط لإدانة بعض المارقين الذين حملوا جنسيتَها ذات يوم! وسبق للتقرير النهائي للجنة التحقيق حول هجمات 11سبتمبر أن برَّأ الحكومة السعودية وخلص إلى حقيقة دامغة مفادها أنه «لا يوجد دليل على أن الحكومة السعودية كمؤسسة، أو كبار المسؤولين السعوديين، موّل أياً منهم أو دعم بأي شكل من الأشكال الهجمات، وجميع الأدلة أكدت براءة السعودية تماماً». كما أكدت ذلك نتائج تحقيقات الـ«أف بي آي» والاستخبارات الأميركية معاً.

وفي يناير 2018 صدر حكم من محكمة مانهاتن في نيويورك أعرب فيه القاضي بأنه «لا مسؤولية للحكومة السعودية عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولا توجد أدلة عليه». وتساءل القاضي باستغراب: كيف يفترض تحميل السعودية مسؤوليةَ كل عمل إرهابي يرتكبه تنظيم «القاعدة» الذي تحاربه السعودية نفسها؟ وذلك رداً على دعوى التعويضات ضد المملكة من شركات التأمين لأهالي ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001. وذلك السؤال جدير بالطرح مجدداً في هذه الأيام التي تشهد محاولةً فجةً للزج باسم المملكة في أتون اتهامات باطلة سبق حسمها وطيها في أروقة القضاء الأميركي ذاته.

فلِم هذا الاجترار لحدث انتهى وعُرف المتورطون فيه، ولأي جماعات ينتمون، ومَن كان يحتضنهم ويمولهم؟!ما يحدث حالياً من تلويح الإدارة الأميركية بورقة رفع السرية عن وثائق هجمات 11 سبتمبر، والتلميح من جديد لهذه الجهة أو تلك، ليس إلا أوراقاً بالية عهدناها خلال تعاقب الإدارات بغية تحقيق مكاسب حزبية من خلال استخدام اسم دولة لها تأثير كبير في السياسة والاقتصاد العالميين.. لكنه بالطبع لن يغير من الحقيقة قدر أنملة، بل سيثير السؤال الأهم: كيف يمكنك مقاضاة بلد يتعاون معك في مجال محاربة الإرهاب بتهمة دعم الإرهاب؟!

أخيراً..هذا التلويح بالوثائق السرية لهجمات 11سبتمبر للتغطية على مشكلات الإدارة الأميركية في عملية الانسحاب من أفغانستان وإشغال الرأي العام الأميركي والعالمي بدغدغة العواطف واستحضار قضية ضحايا الهجوم، هو بالطبع ليس بالأمر المستجد على المملكة العربية السعودية، فقد سبق أن تعرضت لعدة تحديات خرجت منها أقوى وأكثر ثباتاً واحتراماً أمام العالم، الأهم من كل ماسبق أن الإفراج عن هذه الوثائق هو مطلب سعودي في المقام الأول وقد سبق أن وجهه وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل «رحمه الله» للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش عام 2003 مطالباً بكشف كل ماجاء بالتقرير فليس لدى السعودية ماتخشاه.

*كاتبة سعودية