كانت لحظة تاريخية بالنسبة للإمارات، وحتى على المستوى العربي، أن نسعى لنقل المنطقة من حالة العداء إلى السلم وتآلف الشعوب، ونحو الاستقرار والعمل على تطوير بلداننا وتحقيق رفاهية شعوبنا، وهذا كله جزء من الاتفاق الإبراهيمي مع إسرائيل، والذي سيحقق تغييراً كبيراً بعد عقود من الحروب والعداوات. نعم، هناك واقعية إماراتية تسعى لخلق مرحلة جديد، فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، وأهم نقطة في كل ذلك هو السلام الذي سيعم آجلاً أم عاجلاً، فطريق الحروب والعداوات لن يدوم ومنطقتنا في أشد الحاجة إلى العمل الجاد وعلى كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعلمية، وهذه الأخيرة لها أهمية كبيرة، فما واجهته البشرية خلال السنوات الماضية أكد أن كل العداوات تسقط أمام الكوارث والأوبئة، ففي النهاية كلنا بشر يجب أن نعمل معاً في هذا الكوكب من أجل البقاء وحماية البشرية، فالعالم تحول إلى قرية كونية كبيرة.
نعم، قمنا بمعايدة اليهود في يوم غفرانهم، وهذا يأتي ليس فقط بسبب توقيع الإمارات وإسرائيل على إقامة علاقات دبلوماسية متبادلة، بل هو يعبّر عن مدى عمق التسامح في نهجنا وتاريخنا وديننا. فأن نقدّم التهاني لأتباع الديانة اليهودية.. الديانة السماوية التوحيدية التي يجمعنا معها الكثير، هو واجب علينا، فربنا واحد ونبي الله موسى عليه السلام ذُكر في القرآن الكريم، ونحن نشترك مع اليهود في تاريخ طويل، ولطالما عاش معنا اليهود في المنطقة.. لكل ذلك يجب أن نقدم التهنئة لهم.
لكن ما هو يوم الغفران الذي يحتفل فيه اليهود؟ هو يوم الاستغفار وطلب الرحمة أو يوم التطهير من الخطايا، وهذا اليوم يعد أقدس أيام السنة لدى اليهود، حيث يتطلب الصيام يوماً كاملاً يمتنع فيه أتباع الديانة اليهودية عن الأكل والشرب والاستحمام والتنقل، وهو اليوم السابع من الشهر الأول بعد احتفالات رأس السنة اليهودية، كما يعرف هذا اليوم «بسبت الأسبات»، وهو يعد ولادة روحية جديدة، ويسبقه إعداد موائد والقيام بأعمال خيرية وإنسانية، كما أن هناك طقوس اعتراف جماعية بالخطايا من أجل التطهّر منها. وبعد الصيام الطويل تقوم العائلات بالاحتفال وبإقامة الموائد. 
وبالعودة إلى الاتفاق الإبراهيمي الذي مرّ عام على إبرامه، فقد حقَّق الكثير وسيحقق المزيد ليكون نواةَ سلام شامل في المنطقة، وربما نصل إلى سلام ينهي عقوداً من الصراع الذي لم يجلب للمنطقة سوى الخراب والحروب، فهذا السلام هو مستقبل الجميع من مختلف الأديان.
أما على صعيد الفائدة المباشرة، فقد تم توقيع ما يقرب من 60 اتفاقية مع الجانب الإسرائيلي، وتجاوز قيمة التبادل التجاري 700 مليون دولار، وهذا التعاون سيكبر ليشمل القطاعات الاستثمارية والاقتصادية والسياحية والعلمية والتكنولوجية والطبية.
وسبق أن تعاونت الإمارات وإسرائيل في تطوير وتعزيز الأبحاث الخاصة بكورونا بهدف تعزيز الوقاية من هذا المرض الفتاك، وسبق ووقعنا اتفاقيات بهدف تطوير قطاع الرعاية الصحية بين البلدين، وكل ذلك يهدف في المقام الأول إلى تحقيق مزيد من الرعاية والحماية لشعوبنا، حيث أن انعكاسات السلام ستتجاوز ما هو مخطط له، لنصل إلى غايتنا بتحقيق رفاهية شعبنا وتسخير كل الإمكانيات لتحقيق هذا الهدف. فالتحديات التي نتعرض لها كبيرة ليس في المنطقة فحسب بل في العالم كله، ولا بد من التعاون بهدف تحقيق التكامل في المنطقة لمجابهة كل ما نتعرض له، فالعالم يحتاج إلى مزيد من التكتلات الاقتصادية والعملية وكل ما يسهم في ترسيخ الاستقرار الذي بدوره سينعكس على شعوبنا التي تحتاج إلى تقارب، فكيف إذا كانت هذه الشعوب تعيش في منطقة جغرافية واحدة.


كاتب إماراتي