يعتبر كتاب «على هامش السيرة» لعميد الأدب العربي طه حسين جزءاً من مشروع أوسع وهو إعادة كتابة التاريخ الإسلامي من منظور إنساني بشري يصور حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، وما واجهوه من مشكلات ومصاعب وتحديات في مسارات حياتهم. فالتاريخ مسار بشري صنعه بشر ويصفه بشر. ويدخل كتاب «على هامش السيرة» في إطار ما يسمى «إسلاميات» طه حسين بالإضافة إلى «أدبياته». وكلها حنين إلى الماضي ورومانسية الحلم الليبرالي الذي استولى على وعي عميد الأدب العربي وعواطفه، فطبّقه في كتابه «الشيخان»، وهما «الصدّيق» (أبو بكر ابن أبي قحافة) و«الفاروق» (عمر ابن الخطاب). ثم استمر على نفس المنوال في كتابيه «عثمان بن عفان» و«علي وبنوه» حتى وقع الحدث الضخم «الفتنة الكبرى».

بل وظهرت «الإسلاميات» في «الأدبيات» وتداخلت معها في «الوعد حق» و«مرآة الإسلام» من أجل ربط الماضي بالحاضر، وتأصيل الحاضر في الماضي. فالإسلام الليبرالي العقلاني الوطني هو ما تحتاجه الأمة في نضالها الوطني وبنائها القومي ونهضتها المعاصرة. ولا يكفي استلهام الموروث لنهضة العصر بل ينبغي أيضاً استلهام الوافد وتبنّيه. وكما كتب محمد حسين هيكل «حياة محمد» و«جان جاك روسو»، كذلك كتب طه حسين «على هامش السيرة» و«قادة الفكر»: هوميروس، سقراط، أفلاطون، أرسطو، الإسكندر، يوليوس قيصر. وكلهم من اليونان والرومان، أي من حوض البحر الأبيض المتوسط، ومن الغرب الليبرالي نموذج التحديث، كما كتب بعد ذلك بسنوات معدودة في كتابه المعروف «مستقبل الثقافة في مصر». ويقدم كتاب «على هامش السيرة» مجرد صورة أدبية انطباعية عن الرسول، كنوع من فن الكتابة وكشكل من أشكال الأدب. ويدل العنوان على ذلك، فهو تناولٌ «على هامش السيرة» وليس «السيرة» ذاتها.

والهامش لفظ حديث يعادل الشرح والتلخيص، والحاشية والتخريج في العصر العثماني يعنيان اللفظ باللفظ والعبارة بالعبارة. «الهامش» هنا يعني مجرد التعليق الانطباعي على الأشخاص والحوادث، مثل انطباعات الأديب المضافة من أجل تشويق السامع. فالسيرة عمل فني وشكل أدبي في الوقت ذاته. لم تكتب السيرة للمؤرخين كما هو الحال عند القدماء ولا للعلماء كما هو الحال عند بعض المحدثين المولعين بالمنهج التاريخي المعاصر. وهي تقوم على المنهج الانطباعي وليس التسجيلي، وتعتمد على القراءة السريعة وليس على التحليل العلمي للروايات.

ولم تكن الغاية النشر بل المتعة الشخصية، ثم نشرت لمشاركة القراء متعة الأدب الحديث بعد أن استعصى عليهم الأدب القديم. والسيرة موجهة إلى القارئ الحديث، ولكي يحبب الكاتبُ الشبابَ في السيرة خاصة والأدب عامة، ثم التحول من قراءة الكتب إلى الإطلاع على الصحف الأدبية العامة.

الهدف هو أن يبعث في الشباب حبَّ الحياة العربية الأولى، وإقناعهم بأن بساطة جمالها لا تقل عن جمال الحياة الحديثة المعقدة. الهدف هو أن يوجه الشبابُ إلى اتخاذ الأدب القديم، بما في ذلك السيرة، موضوعا للدراسة والبحث العلمي، ليس فقط للأدب الوصفي بل أيضاً للأدب الإنشائي الخالص. الهدف إذن هو النهضة الأدبية وتجديد الأشكال الفنية وليس مضمون السيرة أو موضوعها. الهدف هو عدم هجران القديم لأنه قديم أو السعي إلى الجديد لأنه جديد. إنما يهجر القديم والجديد معاً إذا خليا من النفع وافتقرا إلى الفائدة، أما إذا كانا مفيدين نافعين فتوجّه الشباب نحوهما هو الهدف من إعادة كتابة السيرة.

* أستاذ الفلسفة جامعة القاهرة