في المستقبل القريب قد تحتاج الحكومات إلى منظومات لإدارة التغيير الشامل للمجتمعات وإيجاد الحلول الإبداعية وإدارة البيانات الكبرى. وفي المستقبل، قد تكون هناك حاجة إلى الحكومة المفتوحة والمعلومات المتاحة للجميع والرعاية الاجتماعية للتحول الرقمي والمستشفيات الرقمية والعلاج قبل المرض، وإدارة التوجه الشخصي للأفراد وقوات خاصة للدفاع الافتراضي والهندسة الاجتماعية والسياسية والجيوسياسية والتعليم الذاتي والمختبرات السكنية الحرة كجزء من المراكز البحثية الخاصة والعامة وإشراك الشعوب في صناعة القرار قبل اتخاذه.

ومع استمرار انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعي، وسطوة شبكات التواصل الاجتماعي، ونمو تعداد سكان العالم الافتراضي، فإن نوايا ودوافع منشئيها ستكون عوامل رئيسية في تحديد تأثيرها على الدول وتحالف تلك الشركات مع الحكومات، وهي في الغالب العامل الأكثر نفوذاً لتحقيق التأثير الأقوى لصالح الحكومات في الدول الأكثر تقدماً والأغنى، وأهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهي التي أدت إلى ظهور العشرات من الصناعات الجديدة المؤثرة على مدى عقود. نحن مقبلون على أتمتة قطاعات شاسعة من الوظائف والعمل الكلي عن بُعد، مما سيتطلب تكيفاً أكبر مما شهدناه من قبل وستلعب الدولة بلا شك دوراً رئيسياً في هذه العملية.

وستظهر تحولات في القوى العاملة المتوقعة، من أجل انتقال يربح فيه الجميع، وتغيير إيجابي ومعلن وواضح المعالم، حيث سيكون الاعتماد الناجح للتقنيات الرقمية مسؤولاً عن قرابة 60% من نمو الإنتاجية بحلول عام 2030، ويساهم الذكاء الاصطناعي وحده في جزء كبير من ذلك، وبالتالي تطوير مهارات وقدرات جديدة، وتعدي مرحلة إدارة الموارد البشرية التي تعتمد على الخطط والاستراتيجيات والتدريب التقليدي.

فكل موظف اليوم عبارة عن إدارة موارد بشرية، وله استراتيجية خاصة كجزء من استراتيجية تفاعلية أكبر والتأهيل بتكلفة منخفضة وموارد مشتركة في الغالب ومتوافرة للجميع. وبالتالي الاستثمار بكثافة في التعليم في السنوات الأولى حتى يتم تجهيز الأطفال بالعقلية والقدرة على التعلم الذاتي والذكي والقدرة على البحث والاكتشاف بسهولة واكتساب مهارات ستكون مهمة جداً طوال حياتهم، وهذا يتطلب إدارة مستدامة ومتميزة للبيانيات الكبرى وتسخيرها لمعرفة توجهات الطلبة وقدراتهم وما هي التخصصات المستقبلية الأكثر مناسبة لهم وتصميم لكل طالب المسار التعليمي الذي يخرج منه أفضل ما لديه، وينسجم مع احتياجات السوق وغايات وأهداف الدولة، وليس بالضرورة كل طالب يدرس سنوات مماثلة وتخصيص «الثانوية العامة» كتأهيل للجامعة والتي يجب أن تكون نظاماً هجيناً بين العمل والدراسة.

فالعصر هو عصر براعة الحكومة في مجال الحوسبة السحابية والتعهيد الجماعي والدعوة المفتوحة للعمل الجماعي، من خلال خط إنتاج حكومي مشترك للمهام والمشاريع والتدريب الحكومي المتاح على مدار الساعة للعمل في العقود الجزئية لإتمام المهام الروتينية، وبالتالي القضاء الكلي على البطالة؛ ولذلك لا بد من أن يتغير مفهوم المرونة، حيث غالباً ما تتعامل الحكومات مع التغيير من خلال إنشاء تنظيمات إدارية وبرامج جديدة مع قدرة متواضعة للتنبؤ بدقة بالاحتياجات والاتجاهات المستقبلية، وبدلاً من محاولة التنبؤ بالمستقبل، يمكن للحكومات أن تختار إنشاء قوة عاملة مرنة يمكنها التكيف بسرعة مع متطلبات العمل المستقبلية.

هنا يأتي دور عالم التكنولوجيا، وبالتحديد الحوسبة السحابية والحاجة الماسة لتفكيك البيروقراطية الحديثة، حيث يمكن أن يصبح نموذج GovCloud ركيزة جديدة للحكومة، التي تضم فرقاً لا ترتبط بالهياكل لتقوم بمجموعة متنوعة من الأعمال الإبداعية التي تركز على التحديات وحلها قبل أن تصيح معضلات معقدة، كما سيختفي الوزير والمدير كما نعرفه اليوم، ليحل محله نوع جديد من القيادات حسب نوع المهمة والمستهدف والغاية الوطنية المرغوبة وتجميع الأشخاص المناسبين لمشاريع معينة والسماح للعمال بامتلاك وظائفهم: حيث يسمح للعمال بملكية شخصية لإدارة وظائفهم في بعض الخدمات والمهن، بما في ذلك تطويرهم المهني والتكامل بين العمل والحياة، وقد يبدو طرحاً إدارياً ثورياً ومختلف تماماً، ولكنه لربما يحاكي ذلك المستقبل القادم، والذي يتطلب منا أن ننظر للواقع في رحلة زمنية عكسية والبحث بعقلية تتجاوز السبب لإيجاد نتيجة.

* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.