في حقبة ما قبل «كورونا»، كانت البشرية في خيالها الأدبي و«الفانتازي» متحفزة لفكرة هجوم على كوكب الأرض من قبل كائنات فضائية متوحشة وشريرة تريد تدمير الكوكب.

وكانت هناك دوماً «ثيمة» مشتركة في هذا التخيل متعدد السيناريوهات في القصص والأفلام تتعلق بالسيطرة على مصدر طاقة، ما يجعل من يمتلكه يسيطر على العالم! حتى في أفلام الرسوم المتحركة، نتذكر مثلاً «غرندايزر»، وهو الاسم المعرب للبطل الضخم الآلي الذي يواجه قوات «فيغا» القادمة من الفضاء لتدمير الأرض، ويتصدى لها البطل «الياباني الأصل» دايسكي والذي يندمج مع العملاق غرندايزر ويحارب تلك الوحوش الضخمة جداً ذات الوجوه المرعبة والقدرات التدميرية الخارقة.

في الأفلام الفانتازية من هذا النوع، كان الخيال يسير في الطريق نفسه، فالهجوم دوماً من خارج حدود الغلاف الجوي للكوكب، وفيه صحون طائرة أو مركبات ضخمة مجهزة بأشعة قاتلة لا يعرفها أحد، وتتضافر جهود «البطل الأميركي هذه المرة»، وهو بطل بشري مع طائرات أميركية تقود جيوشاً عالمية لمواجهة الهجوم الضخم القادم من مجاهيل العتمة الكونية! 
شخصيات السوبرمان، بدءاً من «سوبرمان» ومروراً بالرجل الوطواط (كان الوطواط مصدر بطولة هنا)، والرجل العنكبوت كلها شخصيات فوق بشرية خارقة تحارب الشر في «المدينة» التي تختصر العالم، وهنا كالعادة، لم يستطع الخيال البشري أن ينوع في هويات البطل، بل في تكثيفه بذلك البطل المحلي لتلك الدولة التي أنتجت الفيلم أو القصة.

حسناً، كل هؤلاء لو تخيلنا في لحظة فانتازية قصوى حضورهم الحقيقي على أرض الواقع، فإنهم سيصابون بخيبة أمل شديدة، لأن الهجوم على كوكب الأرض وسكانه من البشر لم يأتِ من خارج الغلاف الجوي أولاً، وهو ليس وحشاً ضخماً بأشعة فتاكة، كما أن الهجوم لا يستهدف مدينة البطل الخارق وحدها وهوية البطل الخارق الوطنية ليست مهمة بالمطلق لهذا العدو. العدو هذه المرة، فيروس متناهي الصغر ولا يمكن رؤيته إلا بمجهر متخصص وبظروف «مختبرية» خاصة، وهو إنتاج الكوكب نفسه (بعيدا عن التفاصيل)، وليس له أشعة ولا أسلحة بل هو كائن ميت «علمياً»، وجدول أعماله شامل وعام لا أجندات فيه، ويستهدف الجميع. كل أبطالنا الذين تخيلناهم في تراثنا الإنساني ليس بدءاً من الأبطال الأسطوريين في التراث الإغريقي أو أبطال الساموراي في الشرق الأقصى ولا الكائنات المتحولة في الثقافة الهندية، ولا أبطال الخيل والسيف في التراث العربي، وليس انتهاء بغرندايزر ولا السوبرمان كلهم عاجزون فنحن أمام عدو يغزو الكوكب من خلالنا نحن شخصيا، ومواجهته تتطلب أولاً أن نتضامن بالفكرة، لا أن نتوحد متراصين ببلاهة إلى جانب بعضنا البعض.

الورطة الأكثر في صراع المفاهيم الراهن أمام كورونا، أنه أيضا أعلن سقوط «العولمة» بصيغتها الراهنة، تلك الصيغة «العولمية» للنظم الاقتصادية الليبرالية المتوحشة، أو تحالف رؤوس الأموال الضخم، لا تحالف البشرية المفترض. باختصار، «السوبرمان» الآن فكرة ميتة، ربما الأجدى أن نبحث عن الإنسان كما هو مجرداً من الخوارق، فالإنسانية وحدها كفكرة مطلقة هي التي تحمي وجود هذا الإنسان.

* كاتب أردني مقيم في بلجيكا.