«باول».. حياة زاخرة وفرصة ضائعة
بيتر جراير


تولّى كولن لوثر باول- على مدار حياته التي انتهت يوم الاثنين 18 أكتوبر الجاري- بعضاً من أكثر مناصب الأمن القومي إرهاقاً في الحكومة الأميركية في عقود من الحياة العامة. واعتاد باول على التخفف من ضغوط العمل بإصلاح سيارات فولفو القديمة.

وحين كان رئيساً لهيئة الأركان المشتركة في بداية تسعينيات القرن الماضي، دأب على إبقاء خمس أو ست سيارات «فولفو» في أماكن توقف السيارات بالقرب من مقره في قاعدة «فورت ماير» في فيرجينيا.

وفي هذه المرحلة، يتذكر أنه أصلح بالفعل أكثر من 30 من السيارات الاسكندنافية التي يمكن الاعتماد عليها. وكان باول موظفاً عاماً حصيفاً ورصيناً. لم يخض بنفسه سباقاً قط على منصب بالانتخاب رغم الضغوط عليه من الكثيرين الذين اعتقدوا، كونه «جمهورياً» صاحب وجهات نظر اقتصادية والاجتماعية معتدلة وخبرة عسكرية، يمثل فرصة جيدة ليصبح أول رئيس أميركي ملون. وبدلاً من هذا قام بدور قيادي انتقالي مهم من نهاية ثمانينيات القرن الماضي إلى بداية العقد الأول من القرن الحالي في الوقت الذي حولت فيه قوى الأمن القومي في أميركا تركيزها من الحرب الباردة إلى حرب على الإرهاب على امتداد العالم. وهاجر والدا كولن باول إلى الولايات المتحدة من جامايكا.

وولد باول في حي «هارلم» ونشأ في «ساوث برونكس»، في نيويورك. والتحق بمدرسة «سيتي كوليدج» في نيويورك وشارك في فيلق تدريب ضباط الاحتياط، وبتخرجه عام 1958، أصبح ملازماً ثانياً في الجيش الأميركي. وقدمت الحياة العسكرية الطقوس والرموز والشعور بالانتماء والهدف الذي كان يتوق إليه باول الشاب. ولم ينظر خلفه قط. ووصف في البداية بسرعة تقدمه في عمله.

وفي أول جولة له في فيتنام نجا من انفجار قنبلة أصابت شجرة كان يحتمي تحتها وفي الجولة الثانية نجا من تحطم طائرة هليكوبتر. ثم نقلته كفاءته الشديدة إلى وظائف في واشنطن. وبعد فيتنام قضى 17 من 22 عاما تالية في البنتاجون أو في وظائف مقرها واشنطن. وفي هذه الفترة التقى اثنين من «الجمهوريين»، الذين تولوا وزارة الدفاع وأصبحوا من رعاة باول هما كاسبار وينبيرجر وفرانك كارلوتشي. وفي 1987، عيّنه الرئيس رونالد ريجان مستشار للأمن القومي، حيث تعامل مع ملف الاتحاد السوفييتي الذي كان على شفا النهاية.

وشغل منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة وهو أعلى منصب عسكري في البلاد من عام 1989 إلى عام 1993. وفي حرب الخليج عام 1991، اشتهر بما أطلق عليه «مبدأ باول» للقوة العسكرية، وهو في جوهرة يعني أن الولايات المتحدة في حاجة إلى نشر قوتها العسكرية. ونجح باول في طرد قوات صدام حسين من الكويت. وانتعشت شعبية باول بعد الانتصار في حرب الخليج. وفي منتصف التسعينيات، اعتبره البعض مرشحاً قوياً محتملاً للحزب «الجمهوري» لخوض السباق الرئاسي عام 1996.

لكنه لم يدشن قط ولو محاولة استكشافية. ربما لأسباب أسرية وربما لأنه كان يبدو كما لو أنه يمثل عودة للسياسة المعتدلة في الحزب «الجمهوري»، أو ربما لأنه لم يكن لديه الدافع شبه الهوسي المطلوب للنجاح في المنافسة على أعلى منصب في البلاد.

وفي عام 2001، طلب جورج بوش الابن، الرئيس المنتخب حديثاً آنذاك، والذي كان وقتها قليل الخبرة في السياسة الخارجية، من الجنرال باول أن يكون وزير خارجيته. وأصبح باول بتوليه المنصب أكبر مسؤول ملون حينذاك في التاريخ الأميركي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»

    *صحفي أميركي

بيتر جرير*