ضمن حديثه المهم والمؤثر والهادف، الذي أشرت إليه في مقالة سابقة حول تمكن دولة الإمارات العربية المتحدة من تجاوز أزمة جائحة «كوفيد- 19»، تطرق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله ورعاه، أيضاً إلى أنه بحمد الله وتوفيقه خرجت البلاد من الأزمة بخير وعز وأمان وصحة وتجارب، رغم صعوبة كل ما مر بها وشدته، لكنها في ذات الوقت تعلمت منها الكثير.

وهذا هو مربط الفرس، وهو التعلم قدر الإمكان من التجارب القاسية التي تمر بها الأمم والشعوب الحية التي تسعى إلى العلا والمجد والرقي، ويتملكها حب البقاء في القمة دائماً وشغف العيش بأمن وسلام.

والواقع أن هذا هو ديدن البشرية منذ أن تواجد الإنسان على هذه الأرض، فهي في دورات سرمدية من الصعود والهبوط، لكن الأمم الذكية، هي تلك التي تتجنب الهبوط وتحافظ على الاستمرارية والاستدامة في كل شيء، فالبشرية شهدت حروباً لا حصر لها في تاريخها الطويل، لكنها شهدت أيضاً فترات من السلام والهدوء والطمأنينة، وقامت ببناء معسكرات الاعتقال الرهيبة وغير القانونية، وطورت ونشرت أسلحة الدمار الشامل من نووية وكيميائية وبيولوجية والصواريخ الباليستية الحاملة لها، لكنها تعلمت أيضاً كيف تسيطر على الأمراض والمجاعات والأمية والجهل، وأن تقيم المنظمات والهيئات الدولية التي تتحاور من خلالها وتحقق شيئاً من الرفاهية والعدل والمساواة للبشرية.

إن البشرية في تاريخها الطويل لم تعمل من قبل على الاستعداد المكثف الذي عملت به في الفترة الأخيرة لمواجهة جائحة «كوفيد- 19»، وهي الجهود التي أسهمت فيها دولة الإمارات كثيراً للوصول إلى الأهداف المنشودة التي تكللت لديها بالنجاح الباهر. لقد أتى ذلك الجهد في ظاهرة لم تحدث من قبل، حيث قام الجميع بالكفاح بشراسة لتجنب الفناء شبه الكامل الذي كادت البشرية أن تتعرض له.

لقد أتت تلك الجهود وإنسان هذا العصر ضالع في أشد الصراعات في التاريخ لكسب القوة، ما يدل على أن جانب الخير موجود أيضاً في الإنسان، فهو يحظى أيضاً بميزة المشاركة في أكثر المعارك الحتمية أهمية لتحقيق بقاء البشرية سليمة معافاة على وجه الأرض. لذلك نقول بأنه إذا ما كانت البشرية قد سعت إلى خلق الإحباط لذاتها في أوقات ومواقف كثيرة، فإنها لديها أيضاً الأرضي المناسبة والمشتركة لكي تفتخر بما حققته من إيجابيات وتتطلع نحو المزيد من الأمل والإنجازات.

وقد لا تتمكن البشرية في القريب العاجل من حل مشاكلها المتعلقة بالأوضاع والأحوال الإنسانية الصعبة في العديد من دول العالم النامي، إن كان ذلك على الصعيد الصحي أو البيئي أو العلاقات الدولية أو على صُعُد أخرى وبشكل شامل وكامل ودائم، لكن ما يبقى لها هو أن تعمل سوياً على أن لا تسمح لأشياء  كفيروس «كوفيد- 19» بأن تسحقها وإلى الأبد. وانطلاقاً من أفكار من هذا القبيل أن تتشجع لأن الجزء الأهم في المسألة، هو أن تعي بأنه أثناء عودتها إلى التفكير السليم في ذاتها ومستقبلها وبقاءها قد تصل إلى نتيجة مقنعة بأن بقاء الجنس البشري حياً يرزق هو أهم شيء يجب عليها السعي لتحقيقه، فذلك هو الذي يشكل الوعي بالحقيقة والواقع، أما ما عدا ذلك فهو هباءً منثوراً.

وفي حديثه تطرق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى أن سنة 2020، كانت صعبة وشهدت تحديات كبيرة، لكن دولة الإمارات استطاعت أن تخرج من الأزمة بنجاح، مشيراً إلى أن العوامل التي أسهمت في بدء عودة الحياة إلى طبيعتها هي توفر اللقاحات واستمرارية الفحوصات وتوفر بعض أنواع العلاج الحديثة، وقد تأتّى ذلك عن طريق التعاون مع العديد من الدول المتقدمة لتوفير ذلك وتحقيق النجاح.

حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد يدل على أن التفكير في مستقبل البشرية ومصيرها يعلمنا دروساً أهمها عدم القبول بالأمر الواقع أو التقاعس عن فعل أشياء أفضل لحفظ وجودنا، ويخدم كمثال على الشجاعة القصوى التي تقف ضد خطر الأمراض الفتاكة بالبشر، وهي شجاعة ترفع من شأننا. وهذا يؤكد لنا أنه لطالما أن المحاولات مستمرة لإنقاذ أنفسنا، فإن المعركة ضد كل ما يسيء إلى البشرية ليست بعقيمة أو غير ذات جدوى. على الإنسان أن يقول نعم بأنه يستطيع فعل الكثير ثم سيرى بعد ذلك بأن جهوده يجب أن لا تتوقف.

وأقول لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد: لله درك، لأنك جعلت من قدرة دولة الإمارات على تخطي الصعاب التي تواجهها مثالاً يحتذى به، فأكدت بأن هذا النهج له علاقة حتمية ببناء الأوطان.

* كاتب إماراتي