حسمت المفوضية العليا للانتخابات الليبية الجدل الدائر حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ليكون يوم 24 ديسمبر المقبل للانتخابات الرئاسية، وبعدها بـ30 يوماً الانتخابات البرلمانية. جاءت هذه الخطوة تتويجاً لمؤتمر(مبادرة استقرار ليبيا) الذي استضافته العاصمة الليبية في بادرة مهمة تجدد التزام المجتمع الدولي بدعم استقرار البلاد.

ولأول مرة منذ إسقاط نظام القذافي عام 2011، توافد على طرابلس مشاركون في المؤتمر من نحو 31 دولة عربية وأجنبية بهدف الوصول إلى حل سياسي ناضج، يسمح بطي صفحة الصراع والفترات الانتقالية الطويلة. وقد انتهى المؤتمر بالاتفاق بين المشاركين على تسع نقاط جوهرية، أهمها اتخاذ التدابير اللازمة والاستحقاقات لبناء الثقة، وخلق أجواء مناسبة من أجل عقد الانتخابات الوطنية بشكل نزيه وشفاف في الموعد المتفق عليه. وبحث المؤتمر الوجود العسكري الأجنبي مشدداً على ضرورة انسحاب كافة العناصر التي يشكّل استمرار وجودها تهديداً لليبيا ودول الجوار.

فالمجتمع الدولي مقتنع بأن المليشيات المسلحة والقوات الأجنبية من أهم معوقات تحقيق المصالحة الوطنية. مخرجات المؤتمر لن تصحح الأوضاع على أرض الواقع بين عشية وضحها، إذ لا يزال الوضع السياسي والأمني في ليبيا يتسم بالغموض، ورغم التحركات الدولية والرغبة الصادقة لدى مختلف الأطراف بمعالجة آثار ما حدث؛ لكن من الصعب توقع نهاية قريبة لحالة الفوضى وللأوضاع الأمنية الهشة، وبالرغم من توقيع الأطراف المتصارعة في شرق ليبيا وغربها على اتفاق وقف إطلاق النار في جنيف يوم 23 أكتوبر 2020، إلا أن المراقبين يجمعون على الطابع المركّب للأوضاع في ليبيا الواقعة في منطقة استراتيجية بالغة الأهمية.

ومن هذا المنطلق وعلى ضوء حالة التعثر الراهنة؛ فإن البعض يشكّ في إمكانية إجراء الانتخابات بموعدها بالنظر إلى الفوضى التي شملت ليبيا لسنوات عديدة، لكن ما يزيد مساحة التفاؤل هو إعلان المفوضية العليا للانتخابات فتح باب الترشح للانتخابات خلال النصف الأول من شهر نوفمبر، وهي أول طريق أمام الشعب الليبي لامتلاك زمام المبادرة وحسم أمره بيده، على أن يقبل الجميع بنتائج انتخابات نزيهة.الإمارات من جهتها أكدت أنها مع العملية السياسية التي تحقق المصالحة في ليبيا، ومع الانتخابات التي تعيد القرار للشعب الليبي.

وعلى هامش المؤتمر التقى وزير الدولة للشؤون الخارجية خليفة شاهين نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي عبدالله اللافي، وأكد موقف الإمارات المنسجم مع موقف بقية الدول التي ترفض كل أشكال التدخل بشؤون ليبيا، مع الرغبة الصادقة بتغليب المصالح المشتركة للبلد بين جميع الأطراف الليبية.

إن مقتضيات الأمن القومي العربي مرتبطة بتحقيق الاستقرار في ليبيا، وهذا الأمر يتطلب الضغط على القوى الإقليمية وإقناع التشكيلات المسلحة بضرورة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية تحت راية جيش وطني يحرص على تنفيذ أجندة ليبية مستقلة، ولا وجود فيها للتدخلات الأجنبية، ويدافع عن المصلحة العليا للدولة، كما يعمل على إنهاء الانقسامات التي تعتبر أحد أسباب استمرار معاناة الشعب الليبي، وذلك نتيجة غياب سلطة مركزية تضمن استقرار ووحدة البلاد.

من حق الليبيين أن تستقر الأمور، ويستتب الأمن في بلدهم، لكن المطلوب من قادة المرحلة في لبيبا انتخابات حرة ونزيهة، والقبول بالنتائج واحترامها، وتوحيد الصفوف، لأن الفائز في كل ذلك ستكون ليبيا والليبيون.