في الشهور القليلة الماضية، ارتفع التضخم إلى أعلى مستوى في 28 عاماً. والبضائع شحت على رفوف المتاجر ومحطات الوقود أُغلقت. وليكن الله في عون كل شخص يريد إصلاح نظام التدفئة في منزله. فاستبدال المرجل الذي يستغرق عادة 48 ساعة أصبح يستغرق الآن شهرين أو ثلاثة أشهر. ألا يسيئ الرئيس جو بايدن التصرف إذن؟ انتظر فحسب قبل الإجابة. هذا الرقم القياسي للتضخم لم تسجله أميركا، بل ألمانيا. والتقارير عن نقص الغذاء والبنزين قادمة من بريطانيا. وأزمة استبدال المراجل تعاني منها فرنسا بشكل خاص. 
ومن العوامل المحركة الرئيسية للتضخم الذي حدث في الآونة الأخيرة، في أميركا وفي كل المناطق الأخرى، الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة، وهذه تحددها الأسواق العالمية ولا تؤثر عليها أي دولة مفردة، ولو كانت الولايات المتحدة، إلا تأثيراً محدوداً. ويدعي دونالد ترامب أنه لو كان رئيساً، لأصبح سعر جالون البنزين دولارين فقط. كيف يتخيل بالضبط إمكانية تحقيق هذا، والنفط يتم تداوله عالمياً، وأميركا لا تمثل إلا نحو خمس استهلاك العالم؟ 
وبعبارة أخرى، المشكلات التي تعيق التعافي من ركود الجائحة عالمية وليست محلية إلى حد كبير. وهذا لا يعني أن السياسات الوطنية بلا دور. فعلى سبيل المثال، ترجع مشكلات بريطانيا جزئياً إلى قلة سائقي الشاحنات نتيجة مغادرة العمال الأجانب بريطانيا بعد بريكسيت. لكن تشابه المشكلات لدى الجميع ينبهنا إلى أن السياسة تلعب دوراً أقل مما يعتقد كثير من الناس. وهذا يثير سؤالاً عما يجب على الولايات المتحدة القيام به بشكل مختلف، ولماذا يدور العالم برمته في فراغ فيما يبدو؟ 
يقارن عدد من المراقبين بين الوضع الحالي والركود التضخمي في سبعينيات القرن الماضي. لكن حتى الآن على الأقل، لا يشبه ما نمر به حالياً ما حدث من قبل. فمعظم الاقتصاديات تنمو والبطالة تنخفض. وأفضل تشابه، على الأرجح، ليس مع عام 1974 أو عام 1979، بل مع الحرب الكورية. فحينها ارتفع التضخم، ووصل إلى ما يقرب من 10% على أساس سنوي، لعدم قدرة العرض على تلبية الطلب المتزايد.
فهل الطلب مرتفع حقاً؟ سجلت المبيعات النهائية الحقيقية- المشتريات من أجل الاستهلاك أو الاستثمار- في الولايات المتحدة مستوى قياسياً، ولكنها عادت إلى مستوى ما قبل الجائحة تقريباً. لكن عناصر الطلب تغيرت. فخلال أحلك فترات الوباء، كان الناس غير قادرين أو غير راغبين في خدمات مثل الذهاب إلى المطاعم، وعوضوا ذلك بشراء المزيد من السلع الاستهلاكية المعمرة مثل السيارات والأجهزة المنزلية والإلكترونيات. وبلغ هذا التوجه ذروته حين سجلت مشتريات السلع المعمرة زيادة بنسبة 34% فوق مستويات ما قبل الجائحة. وانخفضت مشتريات هذه السلع قليلاً، لكنها ما زالت مرتفعة للغاية. وشيء مشابه حدث في جميع أنحاء العالم فيما يبدو. 
والإمداد لم يقيده إغلاق الموانئ ونقص الرقائق الإلكترونية فحسب، بل أيضاً «الاستقالة الكبرى»، أو إحجام عدد كبير من العمال فيما يبدو عن العودة إلى وظائفهم السابقة. وهذه ظاهرة عالمية مثل التضخم ونقص السلع. والتقارير الواردة من بريطانيا، خاصة، تشبه كثيراً تلك الواردة من الولايات المتحدة. صحيح أن المشكلات ربما تكون عالمية لكن التداعيات السياسية محلية. فمن الواضح أن شح الإمدادات والتضخم يضران بمعدلات التأييد لبايدن. ولكن على أي نحو مختلف يستطيع أو يجب أن يتصرف صانعو السياسة في الولايات المتحدة؟ 
أشيع، قبل بضعة شهور، أن إعانات البطالة المعززة تثني العمال عن قبول الوظائف. وسارع عدد من الولايات إلى إلغاء هذه الإعانات حتى قبل نهاية صلاحيتها على المستوى الوطني في أوائل سبتمبر. لكن الإلغاء لم يحقق تأثيراً إيجابياً واضحاً في المعروض من العمالة. فهل يجب أن يحضنا العجز الحالي في المعروض من العمال على توخي الحذر بشأن خطط إنفاق «الديمقراطيين»؟ الإجابة لا، لأنه إذا تم تنفيذ قائمة أولويات «إعادة البناء بشكل أفضل»، فلن تستهلك إلا نحو 0.6% فقط من الإنتاج المحلي الإجمالي على مدى العقد المقبل، وهذه النسبة يغطيها إلى حد كبير زيادة الضرائب. ولن يكون لهذا تأثير كبير في التضخم، بل قد يؤدي زيادة الإنفاق على البنية التحتية إلى تخفيف ضغوط التضخم مع مرور الوقت. 
وقد تحسن الصورةَ أمور أخرى. مثل فرض تعاطي اللقاحات مما جعل الأميركيين يشعرون بأمان أكبر في الذهاب إلى العمل وشراء الخدمات بدلاً من السلع، وهذا يمكن أن يلعب دوراً في فك قيود سلاسل الإمداد. وإذا بدأ التضخم يتجلى حقاً كما لو أنه جزء لا يتجزأ من الاقتصاد، فيجب على الاحتياط الاتحادي التصدى له عن طريق تشديد السياسة النقدية برفع سعر الفائدة في نهاية المطاف. لكن من المهم أن ندرك أن رفع أسعار الفائدة في وقت مبكر جداً قد يكون خطأ كبيراً، لأن الاحتياط الاتحادي لن يكون لديه مجال كبير لخفض أسعار الفائدة إذا ضعف الطلب. 
وربما الأهم هو عدم المبالغة في رد الفعل تجاه الأحداث الجارية. والعجز والتضخم يسودان العالم، وهذا دليل على أن السياسات الوطنية ليست السبب الرئيسي للمشكلات. وهذا حتمي إلى حد كبير في الوقت الذي تحاول فيه الاقتصادات العودة إلى العمل بعد اضطرابات كوفيد-19 الملحمية. وعودة الأمور إلى نصابها الطبيعي قد يستغرق وقتاً أطول مما توقعه معظم الناس. لكن شدة الحرص على إصلاح الوضع الراهن فيما يتعلق بالتضخم قد يضر أكثر مما ينفع. 

بول كروجمان

أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/10/29/opinion/inflation-global-supply-chains-us.html