في إطار الحديث عن علاقة القوى المتحركة بالسياسة الخارجية لا بد من التطرق لموضوع القوى الخفية ومردوداتها السلبية على السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة. والقوى الخفية هذه ليست بغائبة عن إدراك البشر وفهمهم مثلما أنها ليست بغائبة عن إدراك وفهم صناع ومنفذي السياسة الخارجية لدولة الإمارات.

لكن الذين يمارسونها، سواء أفراداً كانوا أم دولاً أم تنظيمات وشبكات يقومون بنشاطاتهم في الخفاء ومن خلف ستار. وتتلخص القوى الخفية في عصرنا الحاضر في الإرهاب وشبكات الجريمة المنظمة، وفي الخوف والبغض والانتقام.وبالنسبة للإرهاب والجريمة المنظمة الأمر واضح وقد تمت مناقشتها، وصدرت حولها العديد من الأعمال والمؤلفات، لكن مسائل الخوف والبغض والانتقام، فهي أمور لا تزال غامضة، ولم تدرس علاقتها المباشرة بالسياسة الخارجية لجميع أقطار العالم.

لذلك يمكننا القول إجمالاً بأن الخوف والبغض والانتقام هي عوامل تعد جزءاً أصيلاً من أسباب قيام الحروب، لكن أهم هذه العناصر الثلاثة هو الخوف، لأنه في تقديري أن البغض والانتقام عادة ما ينبعان من الخوف، فهناك الخوف من الغزو الخارجي، ومن نقص الغذاء، ومن ثم المجاعة بسبب الحصار الذي تفرضه الحرب، ومن النكبات الاقتصادية، وما تتسبب فيه من مآس بشرية. ويضاف إلى ذلك الخوف السرمدي الناتج عن ارتكاب الأخطاء وعن العداوات الشديدة، وهناك الخوف النابع من القهر ومن التنادي بالانتقام من الأعداء السابقين الذين ارتكبوا الأخطاء وتسببوا في هزيمة قومية ما أو عرق ما أو دولة ما

. إن جميع الأسباب التي ينشأ عنها الخوف تدفع بالدول والشعوب والأمم نحو العنف، وتكمن قوى العنف الكبرى هذه بعمق في ارتدادات الوعي الجمعي الوطني والقومي والتجارب الإثنية. هذه العواطف هي الموروث الذي يتراكم لدى الدول نتيجة للحروب والمآسي الماضية، فالأخطاء التي ترتكب ضد شعب ما تعيش معه وفي مخيلته لقرون عديدة.

وتوجد مظاهر كراهية تقليدية قديمة بين الأمم والشعوب التي تكون نار الحروب قد كوت أرواحها، ومن تلك العواطف السلبية الجياشة للحروب تتوالد حروب جديدة، ونادراً ما تؤدي تلك الحروب إلى حل أي من المشاكل العالقة.

وقد يتولد الخوف من دولة جارة تملك عناصر متفوقة للقوة تفوق ما لدى جيرانها الأضعف. إن ذلك يجعلهم خائفين من الهزيمة ودائمي الاستعداد والرغبة في التضحية من أجل الدفاع عن النفس والوطن، وتلك الدول وشعوبها تبقى في تهيج دائم ومكثف، وتسعى إلى التحرك الدبلوماسي والسياسي والبحث الدائم عن التأييد الخارجي والشركاء والحلفاء الخارجيين الأقوياء. كما وأن القهر والاضطهاد الذي تعتقد بعض الدول بأنها تتعرض له بسبب الهزيمة العسكرية والممارسات اللا إنسانية التي قد يقوم بها المعتدون عليها تولد لديها رغبات دائمة لتحقيق النصر ضدهم والانتقام والثأر اللاحق منهم. والخاسرون للحروب عادة ما يتعرضون للمعاملة السيئة، وعادة ما يتم إفقارهم عن طريق نهب خيرات أوطانهم.

وفي صلب هذا النوع من الظواهر في العلاقات بين الدول، توجد حقيقة أن الدول عادة لا تعترف مطلقاً بأنها مخطئة في مواجهة أعدائها. ويلاحظ أيضاً بأن الكُره المنبثق من الخوف يبقى حاضراً في نفوس الشعوب تجاه الدول التي تكون أكثر قوة عسكرياً وأكثر عدداً سكانياً، ويصبح متداخلاً في منظومة ذكريات وأخلاق الدول والشعوب، وبأن هذه العواطف موروثات دائمة ومستمرة كمسببات للحروب بنفس القدر الذي تبقى فيه حاضرة على طاولة حولها مفاوضات سلام.

نخلص من ذلك بأن الحرب مقيتة، وهذا أمر كاف لكي يفسر لنا سعي دولة الإمارات الدائم لتحقيق السلام مع كافة جيرانها، وسعيها الدؤوب لتحقيق الأمن والسلام العالمي في سياستها الخارجية المتوازنة على مدى الخمسين عاماً التي مضت من عمرها المديد. وقد انعكس ذلك في المنهج والفكر الذي تبنته في سياستها الخارجية، حيث ركزت في أدوارها الخارجية على الصعيدين الإقليمي والعالمي على مبادئ أساسية ثابتة اختطتها لنفسها محورها إبعاد شعوب العالم عن الخوف، ومستمدة من إيمانها العميق بالحاجة إلى حماية الشعوب وشرعية الدول، ووجود عدالة في التعاون الدولي. وللحديث صلة.

* كاتب إماراتي